والزندقة والتصوّف والشعوذة والإلحاد التي استغلّت نفوذ الأفكار الدخيلة لترسم ملامح جديدة لعقائد وأحكام ما عرفتها الأدبيّات الإسلامية العامّة ومنها الأدبيّات الشيعية قبل هذا القرن ، وصارت أساساً للملل والنحل التي ظهرت بطبعات متعدّدة على مدى حقب زمنية مختلفة في التاريخ الإسلامي.
وكان القرن الثالث الهجري عصر التصعيد الطائفي والاحتقان المذهبي بين مذهب السلطة العبّاسية وبين شيعة أهل البيت عليهمالسلام ، وذكر بعض الباحثين أنّ أحمد بن حنبل لمّا سيطر على منابر الحكومة الرسمية «أخذ يوسّع استخدام لقب (أهل السنّة) والذي كان مخصوصاً بالعلماء مدوّني السنّة النبوية ليشمل أيضاً الأتباع المقلّدين لمذهبه والعوامّ المؤيّدين لمنهج أهل الحديث. وبهذا يكون أحمد بن حنبل قد احتكر اسم أهل السنّة ليكون عنواناً (خاصّاً) لبعض المسلمين دون غيرهم من أهل القبلة(١)» ، يؤكّد هذه الحقيقة ما ذكره ابن حجر في ترجمة محدّثهم علي بن نصر الجهضمي ، وهو من شيوخ الستّة ، قال : «قال أبو علي بن الصوّاف عن عبد الله بن أحمد : لمّا حدّث نصر ابن علي بهذا الحديث ـ يعني حديث علي بن أبي طالب (أنّ رسول الله أخذ بيد حسن وحسين فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان في درجتي يوم القيامة) ـ أمر المتوكّل بضربه ألف سوط ، فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : هذا من أهل السنّة ، فلم يزل به حتّى تركه»(٢).
__________________
(١) أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة ص٢٥١.
(٢) تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٣٠ ، ولفظ الحديث كما أخرجه الترمذي وأحمد في