ولا شكّ أنّ الحالة الشيعية في الكوفة تأثّرت بمجمل التطوّرات السياسية والفكرية التي عصفت بالبلاد الإسلامية عموماً ، وبالكوفة على وجه الخصوص ، فالتراجع النسبي لمدرسة الكوفة انعكست تأثيراته في مدرسة الحديث الشيعي في الكوفة ، وجملة الفتن والأحداث السياسية والأمنية ألقت بظلالها على طبيعة النشاط ، ومستوى الحضور ، والنتاج الكمّي والنوعي لمصنّفات المُحَدِّثين الشيعة ، أضف إلى ذلك ظاهرة هجرة المُحَدِّثين وانتقالهم إلى مناطق أكثر أمناً ، كلّها عوامل أسهمت في تحديد نسبي لنشاط المدرسة الكُوفية ، ولا سيّما في نهايات القرن الثالث الهجري.
إنّ هذا التراجع النسبي لا يعني أنّ الكوفة قد أقفرت من رجالاتها وأعلامها المُحَدِّثين ، أو انعزلت عن الساحة الإسلامية ؛ فقد بقيت المدرسة الكُوفية بثقلها وحضورها تسهم في رسم معالم الفكر الشيعي ، وتشارك بقية المدن والحواضر الشيعية بتصدير المُحَدِّثين ، وتصنيف الكتب ، وكتابة الرسائل والأصول ، وبقيت مساجدها عامرة بحلقات الدرس والمذاكرة ، تزخر بالشيوخ والحفّاظ ، وهي ـ على كثرة الصعاب والتحدّيات ـ لا زالت مقصداً للرواة والمُحَدِّثين الذين كانوا يسافرون إليها طلباً لإجازات الشيوخ ، أو لأخذ نوادر الروايات وأعلاها سنداً ، أو لحضور مجالس كبار الحفّاظ والمُحَدِّثين ، حتّى إنّ كبير القمّيّين وشيخ الأشاعرة فيها أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري كان قد قصد الكوفة في بواكير حياته ، وأخذ كثيراً عن مشايخ
__________________
مسنده ١ / ٧٧ «من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة».