على الرغم من عدم ذكر السبب الذي يقف وراء اختيار الشيخ لهذه القصيدة إلاّ أنّ كلّ صاحب ذوق يدرك جيّداً القيمة الفنّية التي تشتمل عليها ، بدءاً من التصوير الفنّي إلى العبارات الشعرية التي تتناسب والغرض الشعري في انسجام تامّ ، فضلاً عن المعاني الشريفة التي ضمّنها الشاعر قصيدته.
ويبدو أنّ الشيخ محمّد حسين كان يميل إلى الشعر الرقيق دون غيره من الأغراض الشعرية ، ويكشف عن هذا تعلياقته النقدية التي تناثرت في مختاراته من كتاب الأغاني جاء هذا في حديثه عن الشاعر قيس بن ذريح :
«وله أشعار كثيرة أغلبها يشتمل من الرقّة على ما يقطع قلب الصخر ، ويحقّ لو بكت الخنساء به على قائلها وعلى صخر ، فمن مشجياته قوله :
إذا خَدِرَت رِجلي تَذَكَّرتُ مَن لَها |
|
فَنادَيتُ لُبنى بِاِسمِها وَدَعَوتُ |
دَعَوتُ الَّتي لَو أَنَّ نَفسي تُطيعُني |
|
لَفارَقتُها مِن حُبِّها وَقَضَيتُ |
بَرَت نَبلَها لِلصيدِ لُبنى وَرَيَّشَت |
|
وَرَيَّشتُ أُخرى مِثلُها وَبَرَيتُ |
فَلَمّا رَمَتني أَقصَدَتني بِسَهمِها |
|
وَأَخطَأتُها بِالسَهمِ حينَ رَميتُ |
وَفارَقتُ لُبنى ضَلَّةً فَكَأَنَّني |
|
قُرِنتَ إِلى العُيّوقِ ثُمَّ هَوَيْتُ |
فَيا لَيتَ أَنّي مِتُّ قَبلَ فِراقِها |
|
وَهَل تَرجِعَن فَوتَ القَضِيَّةِ لَيتُ»(١). |
__________________
في أنواع الفنون وطبيعتها وخاصّة إيقاع الأصوات ودلالاتها وسرّ البناء وحقيقته ، فيهتمّ ببناء النصّ والمضمون في وحدة واحدة ، من دون ميل لكفّة أو أخرى ، فيعتمد المنهج الفنّي في النقد» ينظر المنهج النقدي للإمام كاشف الغطاء في (مراجعاته الريحانية) : ٣٠٦.
(١) مختار من شعراء الأغاني : ٢٤ ، والأبيات في الديوان.