نلاحظ أنّ الإمام محمّد حسين رحمه الله يلجأ إلى خبرته ومعرفته الفنّية بأسلوب الشاعر ديك الجنّ ليحكم على نسبة الأبيات إليه وليس إلى غيره كما رأى الأصفهاني ، أي أنّ لكلّ شاعر أسلوب خاصّ به ، وقد كان المعيار هنا هو الاحتكام إلى طريقة الشاعر في الرثاء واستعماله للمفردة الشعرية ، كلّ هذه القرائن مكّنت من الحكم على الأبيات الشعرية التي مرّ ذكرها.
أمّا عن النقد الذوقي فقد كثر عنده ، ومن أمثلة ذلك حديثه عن الأبيات الجيّدة عند الشاعر ديك الجنّ في قوله :
«ومن جيّد شعره قوله من قصيدة طويلة يرثي بها جعفر بن علي الهاشمي :
على هذهِ كانتْ تَدورُ النّوائِبُ |
|
وفي كُلِّ جَمْع للذَّهَابِ مَذَاهِبُ |
نَزَلْنَا على حُكْمِ الزَّمانِ وأَمرِهِ |
|
وهل يَقْبَلُ النَّصْفَ الألَدُّ المُشَاغِبُ |
وتَضحكُ سِنُّ المرْءِ والقلبُ مُوجَعٌ |
|
ويرضى الفَتَى عن دَهْرِهِ وهوَ عاتِبُ |
أَلاَ أَيُّها الرُّكْبانُ والرَّدُ واجبٌ |
|
قِفُوا حَدِّثُونا ما تَقُولُ النّوادِبُ |
إلى أَيِّ فِتْيانِ النّدى قَصَدَ الرَّدى |
|
وأَيُّهُمُ نابَتْ حِمَاهُ النّوائِبُ |
فيَا لأَبي العَبّاسِ كَمْ رُدَّ راغبٌ |
|
لِفَقْدِكَ مَلهوفاً وكَمْ جُبَّ غَارِبُ»(١) |
__________________
(١) المختار من شعراء الأغاني : ١٦٢ ـ ١٦٣. وقد لاحظ بعض الباحثين وجود ظاهرة النقد الذوقي في نتاج الشيخ في قوله : «الذوق الرفيع السليم ودقّة الحسّ ، ولا بدّ أن يكون متوقّد الفكر ، ثاقب الرأي والبصيرة ، وحنكته الحياة ، ويمتلك ثقافة فنّية واسعة