فإنّ هذه الآية التي تطرّقت للإخبار عن يوم القيامة لا يمكن لها أن تكون منسوخة ، وقد ذكر المفسّرون في تفسير الآية الثانية وجوهاً مختلفة بحيث عدّ بعضهم موضوع الآية في الكفّار خاصّة ، وفسّر بعضهم الآية بوجوه أخرى نستغني عن ذكرها في هذا المقال(١) ، ونحن نشير هنا إلى ما ذكرها أحد أولئك المفسّرين :
فقد ذهب أحد المفسّرين إلى أنّ كلمة الورود في الآية إنّما هي بمعنى الوصول إلى جهنّم ومشارفها لا الدخول بها(٢) ، ومنهم الزجّاج ، وقد عدّ آية (إنّ الذّيْنَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنّا الحُسْنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُوْنَ) دليلا قاطعاً على هذا التفسير ، ولسنا هنا في صدد البحث عن مدى صحّة وسقم هذا الإستدلال(٣) وإنّ الفخر الرازي عدّ الآية دليلا على تفسير الورود بالدخول في جهنّم(٤) ، وعلى كلّ حال فإنّه يمكن أن يُستشعر نوع من التنافي بين مدلول تلك الآية مع الظهور البدوي لآية (وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا) ، وربّما يكون مثل هذا الاستشعار ـ مع عدم التوجّه بشرائط النسخ ـ سبباً جعل النعماني يعدّ
__________________
(١) تفسير الطبري (تحقيق محمود شاكر) ، ج١٦ ص١٢٦ ـ ١٣٢ ، التفسير الكبير للفخر الرازي (منشورات محمّد علي بيضون) ج٢١ ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩ مجمع البيان (أوفسيت طبعة مصر) ج٦ ، ص٥٠٤ ـ ٥٠٦ و ...
(٢) مجمع البيان ج٦ ، ص ٥٠٥.
(٣) إنّ الآية المذكورة لا تنفي دخول المؤمنين في النار فقط بل تبيّن أنّ المؤمنين مبعدون عن النار كذلك ، فإذا كان الورود في الآية الأخرى بمعنى الوصول فإنّها لا تتلائم مع معنى ابتعادهم عنها.
(٤) التفسير الكبير ، ٢١ / ٢٠٨.