والآية الثانية هي : (إنّ الذّيْنَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنّا الحُسْنى ... لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ)(١) ـ والتي مفادها الأخبار ـ قد ذكرها النعماني في تفسيره بأنّها نسخت بقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيّاً)(٢)(٣).
__________________
وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ، البقرة : ٦٢ ، عن ابن عبّاس أنّه قال بنسخ هذه الآية بقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) في سورة آل عمران ، الآية رقم : ٨٥. وأضاف قائلاً : (وهذا بعيد ؛ لأنّ النسخ لا يجوز أن يدخل الخبر الذي هو متضمّن للوعد ، وإنّما يجوز دخوله في الأحكام الشرعية التي يجوز تغيّرها وتبدّلها بتغيّر المصلحة) ، ثمّ قال : (فالأولى تفنيد هذه النسبة إلى ابن عبّاس). [وجدنا العبارة الأخيرة في الكتاب المتوفّر عندنا من مجمع البيان لعلوم القرآن ، كالآتي : (فالأولى أن يحمل على أنه لم يصحّ هذا القول عن ابنعباس) ، المعرّب].
إنّ أصل ما ذكره العلاّمة الطبرسي كلام صحيح ، بيد أنّ تطبيقه على هذا البحث لا يصحّ ؛ إذ يمكن اعتبار مضمون الآية مرتبطاً بالشريعة ، وذلك بأن نقول : إنّ الالتزام بالشرائع السابقة في بداية الأمر والعمل بها كان جائزاً ، ثمّ نُسخ هذا الحكم ، وإنّ الوعد في الآية إنّما يقتصر على أولئك الذين كانوا متمسّكين بالأديان السابقة بعد نزول الآية ، وقبل نزول الآية الثانية ، أمّا بعد نزول الآية الثانية فلا وجود لوعد في البين. وبطبيعة الحال فإنّنا لا نروم تصحيح دعوى النسخ ؛ لأنّ مضمون الآية الواردة في سورة البقرة لا يفيد تأييد الأديان السابقة ، وإنّما مرادها شيء آخر ذكرته كتب التفسير. وكلّ ما نريد قوله هنا هو إنّ ادّعاء النسخ في هذه الآية ليس مستغرباً.
(١) سورة الأنبياء : ١٠١ ـ ١٠٣.
(٢) سورة مريم : ٧١.
(٣) بحار الأنوار ج٩٣ / ص١١ ، يحتمل من عبارة تفسير النعماني أن يكون مرادها نسخ الآية الثانية مع الآية الأولى.