الإشكال دليلاً على عدم متانة تفسير النعماني.
والنقطة التي تستحقّ التأمّل ـ فيما يتعلّق ببحث النسخ في تفسير النعماني ـ هي أنّ هذا الكتاب قد ذكر آيتين بوصفهما من الآيات المنسوخة ، وهو أمر لم نشاهده في أيّ كتاب آخر ، وهاتان الآيتان هما :
أوّلاً : قوله تعالى : (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)(١) ، فقد ورد في تفسير النعماني أنّ المشار إليه في عبارة (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هو الرحمة ، أي : خلقهم للرحمة بهم. وقال : إنّ هذه الآية قد نسخت بقول الله تبارك وتعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ)(٢)(٣) بيد أنّي لم ألحظ تنافياً بين هاتين الآيتين ـ حتّى على المستوى البدوي ـ كي يمكن الحديث عن النسخ ، فإذا كانت الغاية من خلق الجنّ والإنس عبادة الله تعالى فهل يكون ذلك منافياً لكونه قد خلق الناس رحمة بهم؟! وهل عبادة الحقّ تعالى تتنافى مع رحمته؟!
هذا وأنّ هذه الآية هي من سنخ الأخبار وليست بياناً للأحكام ، والنسخ إنّما يأتي في الأحكام دون الأخبار(٤).
__________________
(١) هود : ١١٨ ـ ١١٩.
(٢) الذاريات : ٥٦.
(٣) بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ١٠. ويحتمل أن يكون المراد في تفسير النعماني هو نسخ الآية في سورة الذاريات ، بالآية الواردة في سورة هود.
(٤) محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٨٣. وقد روى الطبرسي في هامش تفسيره لقوله تعالى : (اِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى