مِنْ حَرَج)(١) ، بيد أنّ هذا التقييد لا يرد في جميع الموارد ، فإذا كان الحكم من البداية ناظراً إلى حالة الحرج ـ من قبيل آيات الجهاد ـ فإنّ أدلّة نفي الحرج لا ترفع وذلك الحكم ، بعبارة أخرى : إذا كان الفرد الظاهر لدليل هو حالة الحرج ، حيث لا يصحّ إخراج الفرد الظاهر من الدليل ، فإنّ أدلّة نفي الحرج لا يمكنها أن تقيّد هذا الدليل ، وفيما يتعلّق بقوله تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)(٢) يمكن اعتبار الفرد الظاهر للتقوى الإلهية بالشكل الذي يستحقّها المقام الربوبي صورة حرجية ، حيث تقترن بمشقّة كبيرة(٣) ؛ لذلك لا يمكن اعتبار مورد الحرج خارجاً عن مفاد هذه الآية ، وعليه فإنّ هذه الآية ستنافي قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٤) قهراً.
علماً بأنّنا لسنا بصدد إثبات النسخ في هذه الآية(٥) ، وإنّما أقصى ما نريد قوله هو إنّ هذه الدعوى غير مُستبعدة ، ولا يمكن أن يكون هذا
__________________
(١) الحج : ٧٨.
(٢) آل عمران : ١٠٢.
(٣) جاء في (بحوث في تاريخ القرآن وعلومه) ، ص ١١٠ ، قوله : (إنّ تعبيرات من قبيل : "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" ، و : "فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا" ناظرة بأجمعها إلى أمر يفوق المتعارف ، ولكن هل تشتمل هذه الآيات على ذمّ الفرد على عدم قيامه بالتكليف الذي فيه حرج عليه؟ ليس واضح تماماً.
(٤) التغابن: ١٦.
(٥) إذ أوّلاً : لم يثبت كون صورة الحرج هي الفرد الظاهر في مورد قوله تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ). وثانياً : يحتمل أن يكون قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) قرينة على أنّ الأمر في قوله تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) ليس أمراً إلزاميّاً شرعيّاً ، بل هو أمر استحبابي ، أو أمر إلزامي أخلاقي. وإذا كان هذا المعنى خلاف الظاهر البدويّ لهذه الآية ، لن يكون دليلاً على نسخ هذه الآية.