يبدو غريباً للوهلة الأولى ؛ لأنّ الشرط في النسخ أن يكون مضمون الآيتين متنافياً. بالالتفات إلى أنّ الآية الأولى ـ بحكم العقل القطعي والبديهي ـ مقيّدة بالقدرة ، لا يكون هناك تناف بين الآيتين ، كي يمكن لنا أن ندّعي النسخ(١).
بيد أنّ هذا الإشكال غير صحيح(٢) ، ولتوضيح عدم صحّة هذا الاستدلال من المناسب أن نلاحظ هنا ثلاثة أمور ، وهي كالآتي :
المسألة الأولى : صحيح أنّ التكاليف بحكم العقل مقيّدة بالقدرة ، بيد أنّ القدرة التي يشترطها العقل في التكاليف هي القدرة العقلية ، وليست العرفية ؛ فالتكليف الذي يقترن امتثاله بالحرج والمشقّة التي لا تحتمل جائز عقلاً ، رغم أنّه غير مقدور عرفاً.
المسألة الثانية : لو ورد ذكر مفاهيم من قبيل : القدرة والاستطاعة في الأدلّة الشرعية ، فالظاهر منها القدرة العرفية ، ولذلك فإنّها لا تشمل موارد الحرج.
المسألة الثالثة : إنّ الأحكام الشرعية مقيّدة بعدم الحرج بأدلّة خاصّة دلّت على نفي الحرج ، من قبيل قوله تعالى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
__________________
الطبرسي رحمهالله : (وأنكر الجبائي نسخ هذه الآية ؛ لما فيه من إباحة بعض المعاصي) ، لم يتّضح مراد الجبائي من هذا الكلام. هذا وقد ذكر ابن عبّاس في مجمع البيان بوصفه من الذين قالوا بعدم نسخ الآية.
(١) ذكر هذا الإشكال في كتاب (التمهيد) على صورة إشكالين. انظر : محمّد هادي معرفت ، التمهيد في علوم القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٣٠.
(٢) ورد بيان عدم صوابية هذا الإشكال في (بحوث في تاريخ القرآن وعلومه) ، ص ٢٠٩ ، حيث إنّ أصل كلامه وأصل كلامنا واحد ، ولكن هناك بعض الفوارق بينهما في كيفية تقريب الكلام.