أمّا ثانياً : فلأنّ ظنّ كون المراد من البحرين في تلك الآية هو هذا المكان أيضاً ممّا لا دليل عليه ، بل مدلول الأخبار ونصّ المفسّرين في الآثار يكذّبه.
وأمّا ثالثاً : فلأنّ حسبان أن تَكَوُّن اللؤلؤ لا يكون إلاّ من جهة اجتماع مائي البحرين فهو الحالي والمالح ، فهو أيضاً في كفَّة ذلك ، بل التجربة تشهد ببطلانه ، كما ظهر لنا أيّام إقامتنا بالبحرين.
على أنّ المعروف بين الناس أنّ تكَوُّن اللؤلؤ إنّما يكون بوقوع قطرة المطر على فم الصدف ، فإنّ أهل البحرين ومن ضاهاهم يقولون : إنّه أوّل ما ينزل المطر يرتفع الصدف من قعر تلك المواضع إلى سطح الماء ، ويفتح فاه كي يقع قطرة من المطر في فيه ، فإذا وقع في فيه يغوص في الماء ، وعلى هذا تتكوّن منه اللؤلؤ. وبالجملة ؛ الذي وجدت في سبب هذه التسمية في بعض المواضع ، وحكاه ابن خلّكان أيضاً في تاريخه في ترجمة الشيخ أبي عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد بن قائد ، الملقّب موفّق الدين الإربلي أصلاً ومنشأً والبحراني مولداً ، الشاعر المشهور : إنّ البَحْرَانِي بفتح الباء الموحّدة وسكون الحاء المهملة وفتح الراء وبعد الألف ونون ، هذه النسبة إلى البحرين المقدّم ذكرها ، وهي بليدة قريبة من هجر. قال الأزهري : وإنّما ثنوا البحرين ، لأنّ في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء وقرى هجر ، وبينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ ، وقدر تلك البحيرة ثلاثة أميال ، ولا يغيض ماؤها ، وهو راكد زعاق.