في السفر إنّما هو خاضع لمقياس الزمان كما أنّ الشارع قد أخضعه لمقياس المكان ، فيقول إنّ الصلاة الرباعية يقصر منها في حال قطع مسافة معيّنة شرعاً إلاّ أنّ هذا مرتبط بزمان معيّن ويختلف الأمر من زمان لآخر ، فالزمان والمكان لهما مدخلية في أصل تحيّث الحكم ، ففي زمان الرسالة وإلى فترة طويلة كان السفر شاقّاً وطويلاً فلذا رأفة بالمسلمين أُمروا بقصر الصلاة تخفيفاً عليهم في السفر ، وأمّا في زماننا هذا فقد لا تكون هناك مشقّة في السفر ولمسافات طويلة جدّاً كما في السفر بالطائرة ، ففي سابق الزمان يقطع المسافر المسافة مثلاً من بغداد إلى المدينة في ٢٠ يوماً أقلّ أو أكثر بقليل ، بينما في زماننا هذا يمكن له أن يصل إلى المدينة من بغداد في ظرف ساعة أو ساعتين ، فلا مشقّة ولا تعب ، فلا يتحقّق الموجب لقصر الصلاة. وفي فقه العامّة يوجد شبيه بهذا النحو من التفكير الفقهي أيضاً.
والحقّ فساد هذا التوهّم وبطلانه؛ وذلك لأنّه تنقيح ظنّي للمناط في قصر الصلاة ، بل محاولة فاشلة لاستنباط علّة من لسان أدلّة الشرع الشريف ، فإنّ ما يمكن أن يتصيّد منه مثل هذا الحكم المتوهّم أحد أمور :
الأوّل : آية الترخيص في القصر من الصلاة وكذا آية الترخيص في الإفطار للمسافر؛ (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصّلاة) (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيْضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام أُخَر) بدعوى أنّ لسانها لسان التفضّل في رفع الحكم الإلزامي الثابت بعنوانه الأوّلي فالصّلاة تماماً والصوم من طلوع الفجر إلى الغروب حكمان ثابتان على كلّ مكلّف ، ومن تفضّله