عليه ، ولكنه لا يعدو الوقت المناسب في تقدير الله عز وجل ، وما تحويل القبلة إلى الكعبة ، وإبطاء الوحي في حادثة الإفك ، وفترة الوحي حيناً ، والتلبث في قصة أهل الكهف ، إلا شواهد تطبيقية على ما نقول ، وأدلة مثبتة : أن الوحي خاج عن إرادته ، ومستقل عن ذاته.
ولا شك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آمن منذ اللحظة الأولى ـ بقناعة شخصية متوازنة ـ بأن ما يوحى إليه ليس من جنس الأحلام وأضغاثها ، ولا من سنخ الرياضيات ومسالكها ، ولا من باب الأحاسيس القائمة على أساس من الذكاء والفطنة ، ولا من قبيل التخيلات المستنبطة من الحدس والفراسة ، وإنما كان بإيمان نفسي محض بأنه نبي يوحى إليه من قبل الله تعالى ، وما الروايات والإسرائيليات القائلة بشكه في الظاهرة إلا ضرب من الأخيلة التي لا يدعمها دليل.
« والحق أن وحي النبوة والرسالة يلازم اليقين من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والرسول بكونه من الله تعالى على ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام » (١).
ويوحي الله عز وجل لملك الوحي ، ما يوحيه الملك إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الله ، ويتسلم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الوحي ، فالوحي واحد هنا مع تقاسم المسؤولية ، وهو عام بالنسبة لكل الأنبياء ، وخاص بالنسبة لوحي القرآن ايضا ، فالملك يؤدي عن الله لمحمد ، ومحمد يتلقى ذلك الوحي من الملك ، ويؤدي ما يوحي به إليه إلى الناس ، وكان ذلك طريق الوحي القرآني فحسب ، وقد صرح به القرآن الكريم بقوله تعالى :
( وإنّهُ لتنزيلُ ربِّ العالمينَ (١٩٢) نزلَ بهِ الرّوحُ الأمينُ (١٩٣) على قلبكَ لتكونَ من المنذرينَ (١٩٤) ) (٢).
والروح الأمين هو جبرائيل عليهالسلام بإجماع الأمة والروايات ؛ قال طبرسي ( ت : ٥٤٨ ه ) : « يعني جبرائيل عليهالسلام ، وهو أمين الله لا يغيره ، ولا يبدله ... لأن الله تعالى يُسمِعه جبرائيل عليهالسلام فيحفظه ، وينزل به على الرسول
__________________
(١) الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن : ٢٠ / ٣٢٨.
(٢) الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤.