وباقي القبائل تقف بعرفة ، ويلتقون بمزدلفة للإفاضة ، ويطوفون حول البيت بملابسهم ، ويطوف غيرهم عُرياناً لاعتقادهم أنّ هذه الثياب قد اقتُرِفت فيها الذنوب وعصوا الله فيها ويُسمّون تلك الثياب التي نزعوها باللقيّ ، وينطبق نزع الثياب على الرجل والمرأة على السواء ... وقد جاء الإسلام فمنع طواف العُريّ وألزم كلّ مَن يطوف أن يلبس لباس الإحرام ... ومن مظاهر التشدّد في الدين أنّ الحُمس يحرّمون على أنفسهم أكل الطيّبات من الرزق ، فلا يذوقون السمن والزبد واللحم وغير ذلك ، ولا يأكلون من نبات الحرم ـ إذا أرادوا الحج ـ ما داموا حُرماً ، ولا يلبسون ما صُنع من الوبر والشعر ، فلا يغزلون ولا ينسجون وإنّما كانوا يكتفون أن يجلسوا بظلّ الأدم ، ولا يظلمون في معاملتهم مع غيرهم ، ولا ينقضون الميثاق ، ولا يخلفون الذمّة ما داموا في الأشهر الحُرم التي كانوا يعظّمونها ويتقيّدون بحرمتها ، وكانوا يقيمون في الحرم»(١) وكانوا كذلك يتمتّعون بالشجاعة ، وأغلبهم من قريش ومن الذين يسكنون حول الحرم. ومن الذين كانوا يحجّون إلى البيت ، فهم متشدّدون في دينهم ، وتظهر فيهم الشجاعة والبطولة(٢). وبهذا يَتبيّن لنا أنّ الذين يطوفون حول البيت عُراة هم ليسوا الحُمس بل غيرهم ، فالحُمس يُقدّسهم العرب لتديّنهم وشجاعتهم ، وغير الحُمس غير مُقدّس ، لذلك فهم ـ أي غير الحُمس ـ مرتكبو الآثام ، فعندما يأتون للطواف حول الكعبة عليهم خلع
__________________
(١) المصدر نفسه : ١٥٧.
(٢) يُنظر : المصدر نفسه : ١٥٩.