تَضَادِّ اسمَيْهِمَا ، واخْتِلافِ أَثَرَيهِمَا ، وَتَنَاقُضِ أَفْعَالِ المُتَحلِّي بِهِمَا ؛ فَاسْتَحْسَنْتُ تَحْرِيرَهَا وَبَيانَها لأوْلِي الفَهْمِ والْمَعْرِفَةِ حِينَما بِبَالِي خَطَرَتْ.
فَشَرَعْتُ بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى باِخْرَاجِهَا مِنْ خِزَانَةِ الْخَيَالِ إِلَى عَالَمِ الوُجُودِ ؛ مُسْتَعِيناً بِمُفِيضِ الْوُجُودِ عَلَى كُلِّ مَوْجُود ؛ وَسَمَّيْتُهَا بِـ : حُكُومَةُ الْفِكْرِ الْحُرِّ فِي مُخَاصَمَةِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ ؛ رَاجِياً مِنَ الرَّبِّ الْمَعْبُودِ الْعَفْوَ عَنِ الزَّلَلِ والْخَطَأِ وَالخَطَلِ ؛ إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَهَذا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِيهَا.
اِعْلَمْ : أَنَّهُ قَدْ سَنَحَتْ خَلْوَةٌ لِلقُوَّةِ المُتَخَيِّلَةِ ذَاتَ لَيْلَة فِي دَارِ المُؤَيَّدِ بِالحَقِّ الْحَاجِّ أَحْمَدَ ابْنِ الحَاجِّ فُضَيل التِي هِيَ بِأَرْضِ الدَّوْرَقِ ، واتَّسَعَ خَيالُهَا للْغَايَةِ ، وَبَلَغَ فِي الاتِّسَاعِ مَدَى النِّهَايَةِ ، وَقَدْ أَخَذَ بِالاتِّسَاعِ إِلَى أَنْ عَمَّ نَواحِي مَا بِحَضْرَتِهَا مِنَ البِقَاعِ ؛ فتَمَثَّلَ لَدَيْهَا خَيَالاَنِ ، وتَسوَّرَا مِحْرَابَهَا كَأَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَمثِّلانِ ، بَيْدَ أنَّ أَحَدَهُمَا أَمْثلُ مِنَ الآخَرِ هَيْأَةً وَشَكْلا ، وَهُمَا مُخْتَلِفَا الاسْمِ والمُسَمَّى ، وَمُتَضادَّا اللَفْظِ والْمَعْنَى ؛ فأَوْجَسَتْ مِنْهُمَا خِيفَةً ، وخُيِّلَ لَهَا أَنَّهُما قَالاَ : مَا هَذَا الفَزَعُ؟! نَحْنُ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْض بِالكَلامِ ؛ فَمَثُلْنَا لِلْحُكْمِ بَيْنَنَا بِالحَقِّ ؛ فَأفَضْتُ عَلَيهِمَا السُّؤالَ عَنِ اسمَيْهِمَا ، وَالتَّعَرُّفِ بِمَ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا؟ فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا ، وَقَالَ : أَنَا اِسْمِي الفَقْرُ ، وَصَاحِبِي الْمُخَاصِمُ لِي اِسْمُهُ الغِنَى(١) ، وَقَدْ كَادَ بِكَلامِهِ مَعِي أَنْ يُلْبِسَنِي ثَوْبَ الذُّلِّ والْعَناءِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَسْلُكُ مَعِي مَسْلَكَ الْعَارِ وَالافْتِخَارِ ، حتَّى فَرَمَتْ مَقَالَتَهُ بِجَمِيعِ قِوَايَ فِيَّ
__________________
(١) يكتب الشيخ كلمة الغنى : الغناء ، وهي صواب ولكن ليس في موضع المدّ.