مِنْهُ ؛ فَإِنَّ قَلِيلَ الْكَلامِ خَيرٌ مِنْ كَثِيرِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ أنَّ خَيْرَ الْكَلامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ(١) ، وَقَدْ دَلَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ بِأَصْرَحِ دَلاَلَة ، وَنَطَقَ بِأَوْضَحِ مَقَالَة بِمَا فِيكَ مِنَ الْمَعَايِبِ ، وَمُضَافاً إِلَى مَا مَرَّ ـ وَفِيهِ الْكِفَايَةُ وَالْبَلاغُ ـ أَنَّ الْمَرْئِيَّ بِالعَيَانِ بِحَيْثُ لاَ يَشِكُّ فِيهِ عَاقِلٌ مِنْ بَنِي نَوْعِ الإِنْسَانِ مَنِ اتَّصَفَ بِكَ أَوْبَقْتَهُ دِينَهُ ، وَأَوْهَنْتَ يَقِينَهُ ، وَأَوْرَدْتَهُ مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ ، وَكَمْ مِنْ عَالِم وَفَاضِل ، وَزَاهِد وَعَابِد ، أَفْسَدْتَ عِلْمَهُ وَفَضْلَهُ ، وَزُهْدَهُ وَعِبَادَتَهُ وَإِيْمَانَه ، حتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ عَانِياً لَكَ :
كَمْ عَالِم عَالِمٌ أَعْيَتَ مَواهِبَهُ |
|
وَجَاهِل جَاهِلٌ تَلْقَاهُ مَرْزُوقَا |
هَذَا الذِي تَرَكَ الأَوْهَامَ حَائِرَةً |
|
وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْريرَ زِنْدِيقَا(٢) |
وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ : إِنَّ الفَقِيرَ إِذَا أَعْرَبَ أَلحَنَ ، وَإِذَا تَطيَّبَ أَنتَنَ ، وإِذَا استَضَافَ يُطْرَدُ ، وَإِنْ طَلَبَ مِنَ النَّاسِ شَيئاً يُرَدُّ ، لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ قَدَرٌ وَلاَ قِيمَةٌ ، وَلَوْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ وَأَزْهَدَهُمْ وَأَعْبَدَهُمْ ، وَكَفَى للْمِتَّصِفِ بِكَ مَذَلَّةً وَمَهَاَنَةً ، جَعْلُ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لَهُ سَهْماً فِي الصَّدَقَةِ التِي هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ؛
__________________
(١) بعضهم ينسبه إلى النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهو غير موجود في المدوّنات الحديثية المعتمدة ، وفي تيسير التحرير للأمير بادشاه ١/٧ : (قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : خير الكلام ما قلّ ودلّ). أقول : وهذه الكلمة من جوامع الكلم فلا يتوقّع صدورها إلاّ عن النبي وآله.
(٢) البيتان لابن الراوندي ، وهو ممّا استشهد به التفتازاني في شرح المختصر : ١١٢ ، وقد أجابه الكرزكَّاني (ت ١٠٩٨هـ) :
إنّ الكريم الذي يُعطي على قَدَر |
|
يراه ذو اللبِّ إحساناً وتوفيقا |
فذو الجهالة مرزوق ليكمله |
|
وذو النباهة من ذا صار ممحوقا |