فَقَالَ عَزَّ منْ قَائِل : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)(١) الآية ، وَمَعَ هَذَا ؛ فَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيراً مِمَّنْ نُسِبَ إِلَيْكَ ، وَاتَّصَفَ بِكَ لَمْ يَرْضَ مِنْ رَبِّهِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَشْكُوهُ إِلَى خَلْقِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِني مِثْلَ خَلْقِهِ ، وَقَتَّرَ عَلَيَّ ، وَحَرَمَنِي ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى نِسْبَتِهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ وَالْجَهْلَ وَالْعَبَثَ إِلَى اللهِ تَعَالَى ، وَتَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ ؛ بَلْ لاَزِمُ شَكْوَاهُ الْحَسَدُ لِمَنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ النِّعْمَةَ ؛ فَأَيُّ ذَنْب يَقْتَرِفُ المَنْسُوبُ إِلَيْكَ أَعْظَمَ مِنْ شَكْوَى الرَّبِّ إِلَى الْمَرْبُوبِ بِعَدَمِ الرِّضَا بِمَا فَعَلَهُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلالُهُ؟! عَلَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَوْ عَرَضَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ حَرَامٌ مِنْ سُحْت أَوْ رِشْوَة ـ فَضْلا عَنِ الْمُشْتَبَهِ ـ يَثِبُ عَلَيهِ ؛ فَيَقْضِمُهُ كَمَا تَقْضِمُ الإِبِلُ السَّاغِبَةُ نَبْتَةَ الرَّبِيعِ ؛ بَلْ لَوْ قِيلَ لَهُ نُعْطِيكَ كَذَا وَاشْهَدْ زُوراً عَلَى شَخْص لَشَهِدَ ؛ بَلْ يَعْتِمدُ عَلَى فِعْلِ البَاطِلِ ، وَيُظْهِرُ الْحُزْنَ وَالأَسَفَ دَائِماً عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ خَسِيسِ حُطَامِ الدُّنْيَا ، وَعَيْشِهَا الْوَبِيلِ ؛ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِهَا الْمَغْرُورِينَ بِهَا ، المُفْتَتَنِينَ بِهَا ؛ فَيَشْهَدُ لَهُمْ ، وَيَحْكُمُ لَهُمْ ، وَيَقُولُ مَا يُرْضِيهِمْ ، وَإِنْ أَسْخَطَ اللهَ تَعَالَى بِذَلِكَ ، وَيَتَواضَعُ لَغَنيِّهِمْ عَسَى وَلَعَلَّ أَنْ تَرْشِحَ كَفُّهُ عَلَيهِ بِقَطْرِة مِنْ غِنَاهُ ، وَيُعِينُ الظَّلَمَةَ مِنْهُمْ ؛ بَلْ يَوُدُّ فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْن أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ طَمَعاً بِأَنْ يَنَالَ مِمَّا فِي أَيدِيهِمْ ؛ فَيَبِيعَهُمْ دِينَهُ بِأَقلِّ قَلِيل مِنْ دُنْيَاهُمْ ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إِيْمَانِهِ وإِسْلامِهِ كَمَا تَخْرُجُ الْحيَّةُ مِنْ ثَوْبِهَا ، وَيَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُ ، وَهَذَا هُوَ الدَّاءُ الْعِضَالُ ، وَالسُّمُّ القَتَّالُ
__________________
(١) التوبة : ٦٠.