الذِي قَدِ ابْتَلَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ أَبْنَاءِ هَذَا الزَّمَانِ المُؤْمِنينَ ، الزَّاهِدِينَ ، الْعَارِفِينَ ؛ فَدَخَلُوا ـ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ ـ مَدَاخِلَ السُّوءِ ، وَالضَّلالَةِ ، والظَّلَمَةِ ، والْهَلَكَةَ ؛ فآثَرُوا الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ ؛ وذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبينُ ؛ فَهَذِهِ آثَارُكَ وَمَزَايَاكَ ، وفِعَالُكَ وَسَجَايَاكَ ؛ فَمَا أَنَا بِمُذْنِب إِيَّاكَ ، وَلاَ بَعِائِب لَكَ ، وَلاَ بِمُفَتَر(١) عَلَيكَ ؛ فَكَيْفَ سَاغَ لَكَ أَنْ تَقُولَ بِأَنِّي ظَالِمٌ لَكَ ، وَمُعْتَد عَلَيكَ؟ ؛ وَقَدْ قَامَتْ دَلاَئِلِي عَلَيكَ بِالْحَقِّ ، وَشَهِدَتِ الشُّهُودُ لِي مِنَ الْعَقْلِ والنَّقْلِ بِالصِّدْقِ ، وَمَعَ هَذا فَإِنِّي لَمْ أُبْدِ لِي عَلَيكَ فَضْلاً ، وَلاَ ادَّعَيْتُ لِي نُبْلاً ، وَلاَ قُلْتُ لِي إِنِّي خَيْرٌ مِنْكَ وَلاَ أَحْسنُ ، وَإِنْ أَبَيْتَ إلاّ أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى عُلُوِّ مَكَانِي ، وَجَلالَةِ قَدْرِي وَشَأْنِي ؛ فَاسْتَمِعْ لِمَا أَتْلُوهُ عَلَيكَ مِنَ الآثَارِ الْجَمِيلَةِ ، وَالأَوْصَافِ النَّبِيلَةِ ، وَكَيْفَ يَلْبَسُ الْمُتَّصِفُ بِي أَحْسَنَ المَلابِسِ الْجَلِيلَةِ.
(في مَحاسِنِ الغنى)
فَهَا أَنَا كَمَا قَالَ القَائِلُ : أَكْسُوا الرِّجَالَ مَهَابَةً وَجَلالا.
بَلْ كَمَا قَالَ أَيْضاً : وَأَنَا السِّلاحُ لِمَنْ أَرَادَ قِتَالاَ(٢).
__________________
(١) في المخطوط : (مفتري).
(٢) هذان الشطران من شعر أبي العيناء الأخباري الأهوازي(ت ٢٨٣هـ) وتتمّة المقطوعة :
وتقدّم الفصحاء فاستمعوا له |
|
ورأيته بين الورى مختالا |
لولا دراهمه التي في كيسه |
|
لرأيته شرّ البريّة حالا |
إنّ الغنيَّ إذا تكلّم كاذباً |
|
قالوا صدقت وما نطقت محالا |