يقول الشيخ في الخطبة اليونسية : «... عباد الله! لا تكونوا في الإعراض عن التذكرة ، كالحمر المستنفرة ، التي فرّت من قسورة(١) ، فتُشغَلوا بأوهامكم عن إنفاذ سهام أفهامكم ، وتعرضوا بأعزامكم عن بلوغ غايات مرامكم ، وتعتمدوا على تقاعدكم عن نهوضكم وقيامكم ... ألا وإنّكم أصبحتم داراً متتابعة الطوارق ، متلاحقة البوائق ، متلامعة البوارق ، مختلفة المغارب والمشارق ، متغايرة السبل والطرائق ، لا تُميز بين الصحيح والعليل ، ولا تفرق بين العزيز والذليل ، فلا تتغاور عليكم حوادثها ، وتتلاحق بينكم هنابثها ، وأنتم في قيد الطاعة بحسب الجهد والاستطاعة ، خير من أن تكونوا في سعة التقصير والإضاعة ، ولا تشربوا أكؤسها ، وتلبسوا لبوس بؤسها ...»(٢).
تتنوع الأساليب في هذا المقطع القصير ، فيبتدئ بأسلوب النداء ، ثمّ بالنهي ، ثمّ يتحوّل الخطاب من الإنشاء إلى الخبر ، ويرجع بعدها إلى الإنشاء وخاصّة النهي ، هكذا يلتفت الخطيب من أسلوب إلى آخر ، ومن تركيب إلى غيره ؛ فالجمل تتنوّع بين الاسمية والفعلية ، والجمل الاسمية نفسها قد تلقى من دون توكيد ، وقد تلقى مؤكّدة بمؤكّد أو أكثر ، ولا يمكن التفصيل في هذا
__________________
(١) يتَنَاصُّ في هاتين العبارَتَين مع الآيتين ٥٠ و٥١ من سورة المدَّثِّر ، وهذا التَّناصّ من النّوع الثَّالث المذكور في هذا البحث ، والَّذي يعمد إلى التّحوير في نصِّ الآية بما يتَناسَب والسَّياق.
(٢) المخطوط : ٣.