ويتّضح هذا في بيانه لدلالة قوله تعالى : (إذْ جَاؤُوكم مِّن فَوْقِكمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِـاللَّهِ الظُّنُونَا) (١) ، إذ نراه يتساءل كيف يجوز أن تبلغ القلوب الحناجر مع كونهم أحياء؟ وفي الجواب يذكر أكثر من توجيه ، منها : أن يكون المعنى : «كادت القلوب من شدّة الرعب والخوف تبلغ الحناجر ، وإن لم تبلغ في الحقيقة ، فألغى ذكر (كادت) لوضوح الأمر فيها» (٢).
والشريف المرتضى في قوله هذا يتابع ابن قتيبة الذي كان يرى أن (كاد) ترد مضمرة في الكلام «كقوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) أي : كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق» (٣) ، وكان ابن الأنباري يرى أنّ (كاد) لا تحذف ، ولو جاز حذفها جاز (قام عبد الله) بمعنى (كاد عبد الله يقوم) ، فيكون تأويل (قام عبد الله) بـ : (لم يقم عبد الله) ، لأنّ معنى (كاد عبد الله يقوم) لم يقم (٤).
ويرفض المرتضى قول ابن الأنباري ، ويعدّه من قبيل ما أولع به من مخالفة لابن قتيبة ونقض لآرائه ، فيقول : «وهذا الذي ذكره غير صحيح ، ونظنّ أنّ الذي حمله على الطعن في هذا الوجه حكايته له عن ابن قتيبة ، لأنّ من شأنه أن يردّ كلّ ما يأتي به ابن قتيبة ... والذي استبعده غير بعيد ، لأنّ (كاد) قد تضمر في مواضع
__________________
(١) الأحزاب : ١٠.
(٢) أمالي الشريف المرتضى ١ / ٣٣٠.
(٣) تأويل مشكل القرآن : ١٧١.
(٤) ينظر : أمالي المرتضى ١ / ٣٣٤.