وتجدر الإشارة إلى أنّ فكرة الدليل العقلي لم تكن قد تحدّدت وتجلّت عند الأصوليّين وقت بروز المدرسة الأخبارية كما أصبح عليه حالها بعد ذلك في بحوث المدرسة الأصولية الحديثة التي عرّفت المراد منه بأنّه كلّ حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي أو كلّ قضية عقلية يتوصّل بها إلى العلم القطعي بالحكم الشرعي ، وقد لفت النظر إلى هذه الظاهرة الشيخ المظفّر في كتابه أصول الفقه عند قيامه بتحديد ماهو المقصود بالدليل العقلي ، حيث قال : «وأوّل من وجدته من الأصوليّين يصرّح بالدليل العقلي الشيخ ابن إدريس المتوفّى (٥٩٨هـ) ، فقال في السرائر : فإذا فقدت الثلاثة ـ يعني الكتاب والسنّة والإجماع ـ فالمعتمد عند المحقّقين التمسّك بدليل العقل فيها ...»(١).
المبحث الثاني
تطبيقات المنهج الموسوعي عند صاحب الجواهر
تمهيد :
تقدّم أنّ القرن الثالث عشر الهجري كان من أنشط الحقبات الزمنية التي شهدها علم الأصول بعد ركود وخمول بسبب التأثيرات الفكرية التي تركتها الحركة الأخبارية على مجمل معالم النشاط الاستنباطي للطائفة ، وبالفعل فقد شهد هذا القرن حركة علمية واسعة في كربلاء مبتدئة بالمجدّد الكبير العلاّمة محمّد باقر المعروف بالوحيد البهبهاني (ت١٢٠٦هـ) وبلغت غاية ازدهارها في النجف
__________________
(١) أصول الفقه للمظفّر ٢ / ١٢٢. وانظر : السرائر ١ / ٤٦.