وبكلمة ، فإنّ هذا الكتاب غنىٌّ بالعلم الروائي ، وعرض الأفكار والأقوال المتعاكسة ، ويناقشها نقاشاً علميّاً ، ثمّ يعطي موقفه والرأي الذي يتبنّاه بالدليل العلمي.
الروح النقدية للكتاب :
يتميّز كتاب شرح البداية في علم الدراية بروح نقدية عالية ، فهو يناقش الأفكار الواردة في الموضوع ويفنّدها ، ويطرح رأيه المختار في ذلك.
ونعرض هنا ثلاثة نماذج :
النموذج الأوّل : في بحث السند والإسناد ، قال : «والسندُ طريقُ المتن ، وهو جملةُ من رواه ، من قولهم : فلانٌ سندٌ أي معتمدٌ. فسُمّي الطريقُ سنداً لاعتماد العلماءِ في صحّة الحديثِ وضعفهِ عليه.
وقيل : إنّ السندَ هو الإخبارُ عن طريقه ، أي طريق المتن.
والأوّل أظهر ؛ لأنّ الصحّةَ والضعف إنّما يُنسبانِ إلى الطريق باعتبار رواته لا باعتبار الإخبار. بل قد يكونُ الإخبار بالطريق الضعيف صحيحاً ، بأنّ رواه الثقةُ الضابطُ بطريق ضعيف ؛ بمعنى صحّة الإخبار بكون تلك الرواة طريقه مع الحكم بضعفه»(١).
النموذج الثاني : في موضوع صدق الخبر وكذبه ، وبعد أن يعرض الأقوال في ذلك إلى أن يصل إلى هذا المقطع : «[ونبَّهَ] بقوله : سواءٌ وافقَ
__________________
(١) شرح البداية : ٥٣.