المبحث الأوّل
الدلالة التركيبية
توطئة :
إنّ معنى التركيب في العربية هو : ضمُّ كلمة إلى أخرى بشرط إفادة المعنى(١) ، فالكلمة وحدها يتكفّل بمعناها المعجم اللغوي ، وقد يختلف هذا المعنى ويتعدّد بحسب تركيب المفردة مع غيرها في الجملة ، فمثلاً كلمة (عين) لها معان متعدّدة في المعجم ، لا يتّضح المراد منها وحدها ، حتّى تقرن مع سواها في تركيب فيتّضح معناها ، فهناك فرق في دلالة العين في الآيتين الكريمتين : (فِيْهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) و (أَلَمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ) ، فلو جاءت كلمة (عينان) مستقلّة مفردة لما تبيَّن معناها ، وتحمل آنذاك المعاني التي وُضعت لها كلّها ، ولكن لمّا دخلت في جملة وتعالقت مع غيرها في تركيب ، أفادت معنىً واحداً لا غير ، فالأولى تعني نبع الماء ، والأخرى تفيد العين الباصرة.
وقد حُدّت الدلالة التركيبية بأنّها : الدلالة الناشئة من العلاقة بين وحدات التركيب ، أو المستمدّة من ترتيب وحداته على نحو يوافق القواعد(٢) ، وأطلق عبد القاهر الجرجاني على هذه الدلالة التركيبية اسم (النظم) ، قال : «واعلم أن ليس
__________________
(١) ينظر : الأصول في النحو ٢ / ١١١ ؛ اللباب في علل الإعراب ١ / ٥٠٥.
(٢) ينظر : أثر الوقف على الدلالة التركيبية : ٦٧ ـ ٦٨.