الإنس والجنّ لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً كما في (سورة الإسراء الآية ٨٨) وكما في (سورة البقرة الآية ٢٣) التي تصرّح (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
وعلى الرغم من وجود التأكيد الصريح للآيات القرآنية الآنفة الذكر في التحدّي والتعبئة إن استطاعوا ـ وذلك لإثبات حقّانية وصحّة دعوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ فإنّ موضوع إعجاز القرآن وتبيين الوجه أو الوجوه المختلفة لإعجازه لم يكن موضع اهتمام المفسّرين والمحدّثين في القرون الأولى ، بالرغم من أنّ موضوع إعجاز القرآن له ارتباط وثيق مع موضوع إعجاز الأنبياء في علم الكلام.
إنّ موضوع البحث في هذه المقالة هو المسار التاريخي لمبدأ نشوء نظرية إعجاز القرآن وتطوّر بيان وجه إعجازه في القرون الأولى. بناءً على هذا فإنّ البحث في هذا المقال له طابعٌ تاريخي ، ومن الطبيعي في الدراسة التاريخية لنظرية الإعجاز أن ننأى بأنفسنا عن الاعتقادات العلمية أو غير العلمية التي نعتقد بها في عصرنا الحاضر ، وأن نسعى جاهدين لاتّخاذ آليّات أكثر دقّة لدراسة الأسناد والمصنّفات المتبقّية من العصور الغابرة دراسة أدبية وتاريخية ، ونحاول أن نكتشف من خلال دراستنا لهذا الموضوع طريقة وكيفية دراسة القدماء له وخاصّة الرعيل الأوّل من علماء الإسلام ، وكيفية تبلور وتطوّر الآراء العلمية في باب إعجاز القرآن ومدى ارتباط ذلك بالظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والمذهبية والعلمية في تلك الحقبة. وبناءً على ذلك فإنّ هذه المقالة لم تكن في صدد ترجيح