لآيات التحدّي مثل (البقرة : ٢٣ ؛ يونس : ٣٨ ؛ هود : ١٣ ؛ الإسراء : ٨٨) لم يذكروا سوى المعنى اللغوي للآية وذلك مثل (أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/٣٤ ؛ القمّي ١/٣٤ ، ٢/٢٥ ـ ٢٦ ؛ الفرّاء ١/١٩) أو أنّهم كانوا يقتصرون على بعض الشروح المختصرة للآية وذلك مثل (مقاتل ١/٩٣ ، ٢/٢٣٨ ، ٢٧٤ ، ٥٤٩ ؛ الطبري ١/١٢٩ ـ ١٣١ ، ١١/٨٢ ، ١٥/١٠٦ ـ ١٠٧). حيث يتبيّن ممّا ذكره المفسّرون في هذا المجال في تلك الحقبة أنّ مفهوم ونظرية إعجاز القرآن وتبيين وجوهه لم تتبلور كما هي عليه عند متكلّمي ومفسّري القرون اللاحقة بل كانت غائبة عنهم(١).
إنّ موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن هو من أقدم الأبحاث التي لها صلة بنفس النصّ القرآني والتي تناولها العلماء الإسلاميّون في غضون القرنين الأوّل والثاني. وإنّ أقدم المصنّفات التي ألّفت في باب النسخ والآيات المنسوخة إنّما تعود لأواخر القرن الأوّل ، وهي المصنّفات التي ألّفها أمثال قتادة بن دعامة (ت١١٧ هـ) ، محمّد بن مسلم الزهري (ت١٢٤ هـ) ـ برواية أبي عبد الرحمن محمّد بن الحسين السلمي ـ ، أبو عبيد القاسم بن سلام (ت٢٢٤ هـ) وغيرهم(٢).
__________________
(١) إنّ أكثر من اهتمّ بآيات التحدّي وشرح معجزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من بين هؤلاء المفسّرين هو تفسير الطبري (آية ٢٣ من سورة البقرة) حيث يعكس لنا نشاط المذاهب الكلامية في بغداد والبصرة ، ومع كلّ ذلك فإنّ الطبري في تفسيره الآية المعروفة من (سورة الإسراء آية ٨٨) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الأنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً) قد اكتفى بذكر سبب نزول الآية فقط. قارن ذلك مع تفسير الجصّاص (أحكام القرآن ٥/٣٥) في القرن الرابع حيث تبدو أطروحته في نظرية الإعجاز واضحة في تفسيره لهذه الآية (انظر : ١٨٤ ـ Martin. pp. ١٨٣).
(٢) انظر : فهرست ابن النديم : ٤٠ للاطّلاع على فهرسة من المصادر القديمة في هذا المجال.