السبتي (٣٨٨ هـ) هم من جملة المتكلّمين الذين تطرّقوا للبحث التفصيلي في باب إعجاز القرآن آنذاك في رسائلهم المستقلّة أو ضمن سائر كتبهم ، إنّ التفاسير والآثار الأدبية لهذا القرن فيها إشارات واضحة وطرح جادّ لموضوع إعجاز القرآن ، ففي هذه الحقبة ـ وبغضّ النظر عن الآثار التفسيرية المفقودة لأبي علي الجبّائي ، أبي مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني(١) ، أبي القاسم البلخي وأبي الحسن الرمّاني ـ لابُدّ لنا من ملاحظة الاهتمام الواضح والجادّ بموضوع إعجاز القرآن من قبل المفسّرين والأدباء مثل أبي جعفر النحّاس (ت ٣٣٨ هـ) في إعراب القرآن(٢) ، أبي بكر الرّازي المعروف بالجصّاص (ت ٣٧٠ هـ) في تفسير أحكام القرآن(٣) ، وأبي هلال العسكري (ت حدود ٤٠٠ هـ) في كتاب الصناعتين(٤). ومع شدّة الأبحاث واحتدامها حول هذه الموضوعات ، فإنّ تبيين (وجه إعجاز القرآن) قد شقّ طريقه إلى الآثار التفسيرية لأدباء ومتكلّمي الشيعة والمعتزلة والأشاعرة ومن ثمّ إلى سائر المفسّرين حيث ذكروه بكرّات منذ القرن الخامس في تفاسيرهم ؛ فالباقلاّني (ت ٤٠٣ هـ) ، الشيخ المفيد (ت ٤٠٣ هـ) ، القاضي عبد الجبّار (ت ٤١٥ هـ) ، الوزير المغربي (ت ٤١٨ هـ) ، الشريف المرتضى (ت ٤٣٦ هـ) ، أبو صلاح الحلبي (ت
__________________
(١) قد نقل السيوطي رأي الإصفهاني في باب (إعجاز القرآن) من نفس تفسيره حيث قال : «وقال الإصبهاني في تفسيره : إعلم أنّ إعجاز القرآن ذكر من وجهين : أحدهما إعجاز يتعلّق بنفسه ، والثاني بصرف الناس عن معارضته» (الاتقان ٢ / ٢٤٥).
(٢) إعراب القرآن ٢ / ٢٨٣.
(٣) أحكام القرآن ٤ / ٣٣ ـ ٣٤ ؛ ٥ / ٣٥.
(٤) الصناعتين : ١ ـ ٢ ، «إنّ أحقّ العلوم بالتعلّم ، وأولاها بالتحفّظ ـ بعد المعرفة بالله جلّ ثناؤه ـ علم البلاغة ومعرفة الفصاحة ، الذي به يُعرف إعجاز كتاب الله تعالى».