لكن رُمتُ بذكر ما جرى عليّ في أيّام التحصيل ومضى لديّ من البلايا والمحن وشرب الغصص والآجن(١) ما لا يصبر عليه إلاّ القليل ، ولا يقدر على تحمّله إلاّ اليسير ، تشويقاً للطالبين وتحريضاً للمشتغلين ، فإنّ الاطّلاع على اختلال أمر السّابقين في التحصيل والاشتغال ، والسّالفين في طلب العلم مع الفقر وتهاجم الأحوال يرفع الكسل والملل والسأم عن الخلف المتأخّر عنهم ، وإن اختلّ أمره على كلّ حال ، وكثرة الشركاء في الابتلاء يهوّن خطب البلاء ، فعلى هذا أشرع في البيان ، وعلى الله تعالى الثقة والتكلان.
وُلِدتُ في طهران سنة جلوس السلطان ناصر الدين شاه القاجار(٢) على سرير السلطنة وكرسي الرفعة واستوائه على عرشه المعدّ له ، وهي سنة أربع وستّين بعد الألف ومائتين من الهجرة ، وقيل بأنّها في سنته الثانية من الجلوس ، ومنشأ الاختلاف أنّهم لم يكتبوا التاريخ زعماً منهم أنّه مشؤوم أو مقرّب للأجل المحتوم.
كما أنّهم قصّروا في حفظ شجرة الآباء والجدود والأوطان القديمة وروداً بعد ورود ، لكونهم من سكنة القرى ، ولا يبالون بما يجري عليهم وما جرى ، ولذلك لم يذكرُ في طبقة أجدادي القريبين أحدٌ مشتهر بالعلم والفضائل الجليلة ، معروفاً بالمعالي الجميلة.
__________________
(١) الآجن : الماء المتغيّر المتعفّن.
(٢) أحد ملوك إيران في العهد القاجاري ، وكان من المعاصرين له من العلماء الميرزا الشيرازي صاحب فتوى التنباك.