وارتحلنا منها إلى (مكّة) ودخلناها بعمرة مفردة ، فبقينا فيها إلى شهر ربيع الأوّل ، واشتدّ حرّ الهاجرة في تلك البلدة الطاهرة ، فارتحل جمعٌ من الحاجّ الذين كانوا معنا إلى (الطّائف) لاعتدال هوائه ، وعذوبة مائه ، وكثرة نعمه وآلائه ، وكانت عِير(١) عازمة [إلى] المدينة لإدراك زيارة مولد النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فارتحلنا مع من بقي من الحاجّ معنا إلى (المدينة).
وأنا بعدما دخلت (مكّة) غيّرتُ لباسي ، ولبستُ مثل لباس أهل (مكّة) من القرن إلى القدم [و] حضرتُ درس عالم متبحّر ، يُدعى بالسيّد (أحمد دحلان) (٢) يدرّس الفقه الشافعي للشافعية ، مظهراً بأنّ مذهبي شافعي.
كان رجل يقال له : الشيخ محمّد البسيوني ، يدرّس الأدبيّات لجماعة من الطلبة ، فحضرتُ عنده وعند الشيخ الجليل الشيخ عبد الرحمان الهندي ، وكان يدرّس التفسير ، وكان له تحقيق في قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) الآية(٣) ، وكان لي المعاشرة مع العالم الفاضل الكامل فخر الأفاضل الشيخ رحمة الله ، الذي كتب إظهار الحقّ في ردّ النصارى وقد طبع ترجمته بالهندي والفارسي والتركي ، وهو أحسن الكتب في ردّ النصارى(٤).
__________________
(١) كتب فوقها في المخطوط : قافلة.
(٢) الظاهر أنّه أحمد بن السيّد زيني دحلان المكّي الفقيه الشافعي المؤرّخ المولود بمكّة ، تولّى إفتاء الشافعية بمكّة ومشيخة العلماء في المسجد الحرام ، له أكثر من عشرين مؤلّفاً منها السيرة النبوية ، توفّي سنة ١٣٠٤هـ (طبقات الشافعية ١٤/٧٢ / ٤٤٤٧ ، الغدير ١/١٤٧/٣٤٢).
(٣) سورة المزمل : ٢ ـ ٣.
(٤) هو الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الدهلوي الفقيه الحنفي نزيل الحرمين ، كان عالماً فقيهاً توفّي سنة ١٣٠٦ هجرية (هدية العارفين ١ / ٣٦٦).