أعرّف نفسي وأنا رجل غريبٌ وارد في هذا البلد أبقى فيه إلى الموسم لإدرك الحجّ الذي فات عنّي في هذه السنة وبيّنتُ له بعض ما جرى عليّ من التصرّفات عند الشريف والفضلاء والعلماء في مكّة.
فقال لي بلسانه التركي : هافرين هافرين (بمعنى آفرين آفرين).
ففتحت إليّ أصداق العلماء والأعيان والأشراف من كلّ الأطراف ، فعند ذلك أذّن المؤذّن للإعلان وبالإعلام ، فذهبتُ مع الجماعة وخالد پاشا إلى المسجد مجمع الخواصّ والعوامّ.
وبعد الفراغ من الصلاة اجتمع عليّ عدّة من الطلاّب وأهل العلم يسألون عن أحوالي ومن غير أن يعرفوني يصفوني ، فعرّفتهم نفسي ، فتبيّن أنّ الشيخ محمّد البسيوني الذي كنت أحضر في مكّة كتب توصية التكريم إلى بعض أصدقائه من علماء المدينة من غير اطّلاعي بذلك ، ولا مترصّداً ذلك ممّن هنالك ، فلمّا عرفوني استأنسوا بي وبالضيافات دعوني ، وأنسب نفسي وموطني إلى نواحي العراق ومذهبي إلى الشافعية ، كما كنت كذلك في مكّة ، وأعتذر من اجتماعي مع الأعاجم ونزولي عند النخاولة معهم بأنّهم مكفى بكفايتي ، وهم معتمدين بدلالتي ، أُمورهم بيدي ، لا أُفارقهم بيومي وغدي.
ثمّ كنت أحضر [عند] شيخ(١) الشافعية ـ الملقّب بلقب نسيته ـ في الفقه ، وأحضر عند الشيخ الجليل الملقّب بالحافظ الشيخ عبد الغني الهندي نقرأ عنده صحيح مسلم وصحيح البخاري وموطّأ مالك.
__________________
(١) في المخطوط : (شيخهم).