وكانت مدّة بقائي في المدينة ستّة أشهر أصبح في منزلنا الذي خارج المدينة عند النخاولة ، وأدخل مسجد النبي صلّى الله عليه وآله أوّل النهار للزيارة ودرس الفقه في المسجد ، وبعد الفراغ منه أذهب إلى الحافظ المذكور لقراءة الصحاح مع جمع من الطلاّب ، وبعد الفراغ منه أذهب إلى كتابخانه(١) شيخ الإسلام المتّصل بالمسجد ، اشتغل بالمطالعة والتأليف إلى أن يؤذّن المؤذّن ، فأحضر الجماعة أصلّي معهم ، وبعد الفراغ من الصلاة أشتري من السوق ما أتغذّى به ، وبعد ما أكلت الغذاء أرجع إلى كتابخانه واشتغل بالمطالعة والتأليف إلى أن يؤذّن المؤذّن لصلاة العصر ، فنحضر الجماعة ونصلّي ، ثمّ أذهب إلى بستان خارج المدينة يسمّى طرناويّة ، يدرّس فيه الشيخ الأديب الأريب ، صاحب الأخلاق الجميلة الحسنة ، يحبّ مجالسة الفقير والغريب ، وله من الفواضل أوفر النصيب ، الأفندي عبد الجليل براده(٢) أقرأ عنده قصيدة مقصورة لابن دريد من أكابر أهل اللغة(٣).
وكان الشيخ المذكور باش كاتب خزانة سيّدنا ومولانا النبي (صلى الله عليه وآله) كثير الاشتغال بالأُمور ، ومع ذلك لا يترك التدريس حتّى المقدور ، وهو
__________________
(١) كتابخانه لغة فارسية.
(٢) شاعر من أهل المدينة المنوّرة مغربي الأصل هاجر جدّه عبد السلام إلى المدينة ، توفّي سنة ١٣٢٦ هجرية (الأعلام٣ / ٢٧٥).
(٣) هو أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري ، من أشهر أئمّة اللغة والنحو والأدب ، ومقصورته من أروع القصائد العربية وأشهر المنظومات الأدبية ، وقد شرحها أئمّة الأدب كابن خالويه وابن جنّي والخطيب التبريزي ، توفّي ابن دريد سنة ٣٢١ هجرية.