مستأنس بي فوق العادة لحبّه للشعر الفارسي ، وربّما يتكلّم بالفارسي ، وأُنشد له غزلاً أو قصيدةً فارسية يذكر بيتاً أو مصراعاً ويأمرني بإنشاء غزل أو قصيدة على وزنه ، وكان يجي بالكتابخانه المذكورة ويطالع ما يريد ، ثمّ نمشي إلى المسجد أوّل الظهر للجماعة ، وبعد الصلاة يذهب بي إلى داره ويضيفني وأُشاركه في غذائه.
ولقد ألَّفتُ في مدّة بقائي في المدينة رسائل ثلاث في علوم ثلاثة :
أحدها : في علم العروض جمعت فيها بين عروض العرب والعجم ، المسمّى بـ : ميزان الشعر لم يصنع مثله فيما أعلم.
ثانيها : في علم القافية.
ثالثها : في علم القافية ، وهي بالعربية ، والأوّلان بالفارسية ، وسمّيت مجموع الرسائل تحفة المدينة [ومع الأسف أنّه] أخذ نسخة الأصل الذي كان بخطّي بعض أصحابي في المشهد المقدّس و [كلّما] أطالبه بردّها يعتذر بمعاذير غير موجّهة. وتواردت عليّ في المدينة أُمور عجائب ، أمسكُ عن ذكرها خوفاً من الإطالة ، بل ظانّاً للتكذيب بالجهالة.
وبالجملة لمّا انقضى شهر الصيام ارتحلنا من المدينة عازمين دخول مكّة بعمرة التمتّع ، ولمّا دخلناها وفرغنا من أفعال العمرة وتحلّلنا عاشرت معاشري السابق إلى أوان الحجّ ، فاشتغلنا بأعمال الحجّ وآدابها وأدركنا الحجّة وثوابها ، ثمّ خرجنا من مكّة بعد يوم الغدير مجدّين على المسير.
ولمّا وصلنا (بيروت) انقطع علينا الطريق من شدّة البرد وكثرة الثلوج ،