وبقينا فيها أزيد من شهر ، إلى أن أمكننا الخروج ، ومدّة بقائي فيه كنت معاشراً لأهل الأدب(١) وأنجمن(٢) الشعراء ، لا سيّما أولاد ناصيف اليازجي الأديب الأريب النصراني ، الذي كتب في الأدب كتباً لم أجد لها الثاني(٣). منها : مقامات الناصيفي الذي فاق بزعمي مقامات الحريري وبديع الزمان بمزايا ليس ذكرها مناسباً لهذا المختصر(٤).
ومقصودي من ذكر هذه الحكايات إظهار شوقي إلى التحصيل وتألّمي من التعطيل.
ولمّا انفتح الطريق خرجنا من بيروت ودخلنا الشام لإدراك الزيارات ، وخرجنا منه قاصدين للعتبات ، وإدراك المقاصد المنويّات ، ودخلناها دخول الجنّة بعد العبور على الصراط من كثرة الانبساط والخلاص من تعب السفر والواردات(٥) والنكبات ، سيّما القروض المؤجّلة بالوصول إلى العتبات ؛ لزعمنا إمكان ما يدّعيه رفيقنا من وصول مبرّات له بغير مهلة وأناة ، لكن تبيّن كذبه وكان الكذب له منجاة ، وتصديقنا إيّاهُ من المؤذيات بل المهلكات.
وبالآخرة لم يجد والدي بدّاً وحيلة إلاّ الاقتراض بالوسائل الجميلة ، فما
__________________
(١) في المخطوط : (الأدبيات).
(٢) كلمة فارسية يراد بها مجمع.
(٣) يقصد أنّه لم يجد لها نظيراً آخر.
(٤) منها ما قيل : إنّ ناصيف اليازجي فيما كتب من مقامات يعيش بروحه وعقله في غير زمنه ، أمّا بديع الزمان الهمداني فقد عاش زمنه وصوّر بيئته (انظر مستدركات أعيان الشيعة ٧ / ٣٨).
(٥) أي : الحوادث والمصائب.