الإنسان أخاه(١) في تيه الضلال والاعتساف ليجعل نفسه عالياً عن الناس ، حتّى النفوس الزكية من الأعيان والأشراف وتوسعةُ العلم والمعارف موجبة لسعادة الدارين وارتفاع الجهل عن العين ، وطول الكلام موجب للسأم والملل يتنفّر عنه الطباع ويعقّبه الكسل.
أما يرون هؤلاء المعلّمين والمدرّسين والمصنّفين(٢) أنّ تسهيل التعليمات في الخارج جالب لكثير من الناس إلى مدارسهم ، ولو سئل أحدٌ بعث أولاده إلى الخارج لتحصيل العلوم بأنّك أنت مسلم مربّى في ديار المسلمين لماذا ترضى بأن تبعث أولادك إلى الكفّار والمشركين؟
يقول في الجواب : إنّ العلوم الجديدة سهلة التناول وقريبة الحصول ، ويستدلّ بأنّ الطبّ القديم كان كذا وكذا محتاجاً إلى تمادي العمر في تحصيله ، والطبّ الجديد يتمّ نيله ستة سنين ، وكذا الحساب والرياضيّات.
وهل يجوز أن يتذاكر في مسألة واحدة أربع سنين بعنوان درس الخارج ، مع أنّ الأوقات المذكورة تصلح لمذاكرة ألف مسألة على التحقيق بالقراءة من الكتب المذكور فيها المسائل بالتدقيق ، فيبقى في ذهنه المسائل بمآخذها ، ولا يتصوّر بقاء ما يذكر في الخارج في الأذهان بعد مضي مدّة من الزمان ، وليس المأخذ معلوماً عند الطلبة ، بل لو ذكر المدرّس القول والقائل كثيراً ما ينساه الطلبة بعد خروجه عن مجلس الدرس ، بل حين كونه فيه ينسى جميع ما ذكره المدرّس
__________________
(١) في المخطوط : (أخيه).
(٢) الصحيح : أما يرى هؤلاء المعلّمون والمدرّسون والمصنّفون .. إلى آخره.