مقاله ، ويأتي اللّه جلّ جلاله على صفات غاسل بالأمراض لأقذاره ، ومطهّر الأرجاس بيد اقتداره .
قال رحمه اللّه : ولقد مرض يا ولدي بعض الولاة وضجر من المرض حتى كاد يعارض (١) مولاه ، فقلت له مكاتبة ما معناه : أنت تعلم أنّك في صفّ عدوّ اللّه جلّ جلاله المسمّى بالشيطان ، ترمي جناب اللّه جلّ جلاله المقدّس بأحجار منجنيق المعاصي ، مجاهرة بالإعلان ، فإذا سقط من حجر منجنيقك عند ضربك لعظمة مخالفته حجر لطيف غير قاتل لك فضربك به ليكفّر عنك ضربك لجلالته ، فهل يكون إحسانا وإكراما أو هوانا وانتقاما ؟
ولقد رأيت يا ولدي كثيرا من تشييع الجنائز والصلوات على الأموات وهو أعظم مقامات العظات ، التي كان ينبغي أن يشتغل العبد بأهوالها عن الدنيا وأهلها ، أو عن الغفلات ، قد صار على سبيل المكافات والتقرّب إلى قلوب أوليائهم ، فلو مات صالح على اليقين وليس له من الأحياء من يتقرّب إليه بالصلاة عليه لقلّ الراغبون في تشييع جنازته ، وسقطت مراسم سلطان العالمين وأوامر سيد المرسلين ، وكذلك لو مات أحد ممّن له أولياء يرجى نفعهم وكانوا حاضرين ـ وإن لم يقدروا على أذى المشيّعين والمصلّين ـ رأيت توفر الاجتماع للصلاة عليه حتّى ممّن هو مستغن عن نفع أولياء الميّت المسكين .
قال رحمه اللّه : واعلم يا ولدي أنّ أصعب المخالطات مخالطة العصاة ، سواء كانوا ولاة أو غير ولاة ، إذا لم يكن مخالطتهم للإنكار عليهم وبأمر اللّه جلّ جلاله لإهداء النصيحة المجرّدة إليهم ، فإنّ اللّه جلّ جلاله يريد من الإنسان إذا خالطهم لغير ما أمره به مولاه المطّلع على سرّه ونجواه ، أن يكون ـ على أقلّ المراتب ـ قلبه معرضا عمّن اللّه جلّ جلاله معرض عنه ، ونافرا ممّن اللّه جلّ جلاله ماقت له أو ساخط منه ، وهذا مقام صعب شديد ، وإنه واللّه بعيد ، وخاصة إن كان الذي يخالطه واليا وهو محتاج إليه وقد قضى حاجته أو أحسن إليه ، فكيف يبقى له قلب مع اللّه جلّ جلاله يوافقه في إعراضه وإقباله ، هيهات هيهات بل يفسد الوالي على الذي يقضي حاجته من دينه ومفارقة مولاه أكثر ممّا يصلح بقضاء ما قضاه ، ويغير كثيرا من حاله في أخراه .
ولقد كتبت يوما إلى بعض الوزراء (٢) : كيف بقي لي قدرة على مكاتبتك في حوائجي وحوائج الفقراء وأهل الضرّاء ، وأنا مكلّف من اللّه جلّ جلاله ورسوله عليه السلام أن أكره بقاءك على ما أنت عليه حتى يصل كتابي إليك ، ومكلّف أن أريد عزلك عن مقامك قبل وصول كتابي
______
( ١ ) ـ في « ر » : أو عارض .
( ٢ ) ـ في كشف المحجّة زيادة : يطلب مني الزيارة والورود عليه ، فكتبت إليه جوابه.