وقدومه عليك .
ثمّ قال : ولقد قال لي قائل من الفقهاء : فقد كانت الأئمة عليهم السلام يدخلون على الملوك والخلفاء .
فقلت له ما معناه : إنّهم صلوات اللّه عليهم كانوا يدخلون والقلوب معرضة عمّن دخلوا إليه ، وساخطة عليه بقدر ما أراد اللّه جلّ جلاله من سخطه واعراضه عنهم ، فهل تجد نفسك هكذا إذا قضوا لك حاجة ، أو قرّبوك ، أو وقع إحسان إليك منهم ؟
قال : لا .
واعترف بتفاوت الحال ، وأنّ دخول الضعفاء ما هو مثل دخول أهل الكمال .
قال قدّس سرّه : ولقد كرر مراسلتي ومكاتبتي بعض ملوك الدنيا الكبار في أن أزوره في دار يتنافس في دخولها كثير من أهل الاغترار ، فقلت له مراسلة : انظر المسكن الذي أنت ساكنه الآن ، فإن وجدت فيه حائطا أو طابقة (١) أو أرضا أو فراشا أو سترا أو شيئا من آلاته وضع للّه جلّ جلاله وفي رضاه حتى أحضر وأجلس عليه وأنظر إليه ، ويهون عليّ أن أراه .
وكتبت إليه مرّة : انّ الذي كان يحملني على لقاء الملوك في بداية الأعمار التأويل (٢) بالاستخارة ، وقد رأيت الآن بما وهبني اللّه جلّ جلاله من الأنوار والاطّلاع على الأسرار أنّ الاستخارة في مثل هذه الأسباب بعيدة من الصواب ، ومخاطرة مع ربّ الأرباب .
وممّا يبتلى به الإنسان في مخالطة الناس يا ولدي محمّد ـ أغناك اللّه جلّ جلاله عن مخالطتهم بقوّته الإلهيّة وأنواره الربانيّة تنظر بها خطر شواغلهم عن اللّه جلّ جلاله بمعاشرتهم ـ أنّه يقتضي التصنّع لهم في حركاته وسكناته وملبوسه وقيامه وجلوسه ، والاشتغال بإقامة ناموسهم عن حرمة اللّه جلّ جلاله وعظيم ناموسه .
ولقد قال لي بعض العلماء المشكورين : لأيّ سبب تترك مجالستنا ومحادثتنا وأنت تدعونا وتقرّبنا إلى ربّ العالمين .
فقلت له ما معناه : لأنني لو رأيت نفسي قويّة كلّ آن وزمان على أن اجالسكم واحدّثكم وأنا مشغول في حال مجالستكم ومحادثتكم بمجالسة اللّه جلّ جلاله ومحادثته بقلبي وسريرتي ، وأنكم في ضيافة إقبالي على حرمته بكليّتي ، كنت جالستكم وحادثتكم في كلّ وقت ممكن من الأوقات ، ولكن أخاف أن احدّثكم أو اجالسكم وقلبي تارة ملآن منكم ومفرغ من تذكاري
______
( ١ ) ـ الطابق ، بفتح الباء وكسرها : الآجر الكبير ، فارسي معرب . انظر « الصحاح ـ طبق ـ ١٥١٣ » .
( ٢ ) ـ في كشف المحجة : التعويل .