والعوالي (١) من جملة مواهبه ، وكان دخلها في رواية الشيخ عبد اللّه بن حماد الأنصاري أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة ، وفي رواية غيره : سبعين ألف دينار ، وهي وزوجها المعظّم والواهب الأعظم صلوات اللّه عليهم من أعظم الزهّاد والأبرار ، وكان يكفيهم منها أيسر اليسير ، ولكنّ العارفين ما ينازعون اللّه جلّ جلاله في تملّك قليل ولا كثير ، ولكنّهم كالوكلاء والامناء والعبيد الضعفاء فيصرفون في الدنيا وفيما يعطيهم منها كما يصرفه هو جلّ جلاله ، وهم في الحقيقة زاهدون فيها وخارجون عنها .
ووجدت في أصل تأريخ كتابته سبع وثلاثون ومائتان وقد نقلته في أوّل كتاب عندي الآن لطيف ترجمته من أخبار آل أبي طالب ، وأوّل رجال روايته عبيد اللّه بن محمد بن أبي محمد ، فقال فيه :
عن مولانا علي بن أبي طالب ـ أبيك أمير المؤمنين عليه السلام ـ : « تزوجت فاطمة عليها السلام وما كان لي فراش ، وصدقتي اليوم لو قسّمت على بني هاشم لوسعتهم » .
وقال في الكتاب أنّه صلوات اللّه عليه وقف أمواله وكانت غلّته أربعين ألف دينار ، وباع سيفه وقال : « من يشتري سيفي ، ولو كان عندي عشاء ما بعته » .
وروي فيه أنّه قال مرّة عليه السلام : « من يشتري سيفي الفلاني ، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته » .
قال : وكان يفعل هذا وغلّته أربعون ألف دينار من صدقته ، وو اللّه يا ولدي محمد ـ الذي حضر قسمي به جلّ جلاله وكتابي هذا وشهدت به ملائكته ـ لقد كان في يد والدك عليّ بن موسى هذه المليكات وغيرها من الموجودات ، ولا يكون معه في كثير من أوقاته درهم واحد ، لأنّه كان يخرج ما يتفق له من دخل ملك أو غيره في مئونة (٢) عياله ، ثمّ في الصدقات والإيثار والصلات ، وكان جماعة من الناس يعتقدون أنّه ينفق من ذهب مذخور ، هيهات هيهات لقد ضلّوا عن أبيك ووالدك كما ضلّ كثير من الخلق عمّن هو أعظم حالا وأشرف كمالا وأتمّ جلالا ، وهو اللّه ربّ العالمين وأنبياؤه ، ومن ضلّوا عنه من المرسلين والصالحين ، حتى قال جلّ جلاله عن جماعة يشاهدون جدّك محمدا صلّى اللّه عليه وآله وهم حاضرون : « وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ » (٣) ولو جاءت الدنيا إلى والدك دفعة واحدة خرجت في أسرع الأوقات ، ولكنّها
______
( ١ ) ـ العوالي : بالفتح ، وهو جمع العالي ضد السافل : وهو ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال ، وقيل : ثلاثة ، وذلك أدناها وأبعدها ثمانية . « معجم البلدان ٤ : ١٦٦ » .
( ٢ ) ـ في « ح » : معونة .
( ٣ ) ـ الأعراف ٧ : ١٩٨ .