إستصحاب الحكم الشرعي المستكشف بالحكم العقلي
تحقيق الحال: إن الحكم العقلي على قسمين: حكم عقلي عملي، وحكم عقلي نظري .
وقد تكرر منا : إن الحكم العقلي العملي - في قبال العقلي النظري مأخوذ من المقدمات المحمودة، والقضايا المشهورة المعدودة من الصناعات الخمس في علم الميزان. وقد أقمنا البرهان على أنه غير داخل في القضايا البرهانية " في أوائل مبحث القطع مجملاً ، وفي مبحث دليل الانسداد مفصلاً .
وقد ذكرنا مراراً: أن العناوين المحكومة بالحسن والقبح بمعنى كون الفعل ممدوحاً، أو مذموماً : تارة ذاتية، وأخرى عرضية منتهية إلى الذاتية .
والمراد بالأولى: ما كان بنفسه ، مع قطع النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر محكوماً بالمدح، كعنوان العدل، أو بالذم كعنوان الظلم .
والمراد بالثانية : ما كان من حيث اندراجه تحت العنوان المحكوم بذاته ممدوحاً أو مذموماً، وهي على قسمين :
تارة تكون مندرجة تحت العناوين الذاتية لو خليت ونفسها - كالصدق والكذب وإن أمكن مع الحفاظ عنوانه أن يكون محكوماً بحكم آخر بعروض عنوان الظلم إذا كان الصدق مهلكاً للمؤمن ، أو بعروض عنوان الاحسان إذا كان الكذب منجياً له . وأخرى لا تكون مندرجة تحت العناوين الذاتية لوخليت وطبعها كسائر العناوين العرضية المحضة - من المشي إلى السوق ونحوها .
فالمراد من الحكم العقلي هو الحكم العقلائي بمدح فاعل بعض الأفعال، وذم فاعل بعضها الآخر؛ لما فيه من المصلحة الموجبة لا نحفاظ النظام، أو المفسدة العامة الموجبة لاختلال النظام وفساد النوع، وهي الموجبة لبناء العقلاء على المدح والذم، فانه أول (۱) راجع ج ٣: التعليقة : ١٤٤ .
(٢) أي البديهيات الست وهي : الأوليات والمشاهدات والتجربيات والمتواترات والحدسيات والفطريات.
(۳) ج ۳: التعليقة : ١٠ .
(٤) ج ٣ : التعليقة ١٤٤ .
(٥) ليس المراد من الذاتي - هنا ما هو المصطلح عليه في الكليات الخمس، لأن استحقاق المدح والذم ليس جنساً ولا فصلاً للعدل والظلم، وكذلك ليس المراد منه ما هو المصطلح عليه في البرهان - كالامكان بالقياس الى الانسان بل المراد منه هو العرض الذاتي، بمعنى ان العدل والظلم بعنوانها محكومات بالحسن والقبح، من دون الاندراج تحت أي عنوان.