الاستصحاب
الحدوث والبقاء، بل بعدم الردع من حيث كشفه عن اختلاف مسلك الشارع بما هو شارع - عن مسلكه بما هو عاقل .
ومن البين أن الردع الواقعي غير كاشف عن اختلاف مسلكه بما هو شارع، بل الكاشف هو الردع الواصل.
فالعام لا يكشف عن الردع ، الكاشف عن اختلاف المسلك من الأول.
وحيث أنه لم يصل الردع حقيقة قبل ورود العام، فلا محالة يقطع باتحاد المسلك ، وإلا لكان ناقضاً لغرضه، فلم يبق إلا احتمال انتهاء أمد المصلحة المقتضية لامضاء السيرة بورود العام، وهو معنى ناسخية العام المتأخر، وحيث أنه بعنوان العموم، والخاص على الفرض حجة شرعاً، فيدور الأمر بين مخصصية السيرة وناسخية العام المتأخر، وليس الباب - حينئذ باب الردع الكاشف عن اختلاف المسلك ، فتدبره فانه حقيق به .
ويؤيد تقديم السيرة على العمومات ويؤكده إن لسان النهي عن اتباع الظن، وأنه لا يغني من الحق شيئاً - ليس لسان التعبد بأمر على خلاف الطريقة العقلائية، بل من باب إيكال الأمر إلى عقل المكلف، من حيث أن الظن بما هو ظن لا مسوغ للاعتماد عليه، والركون إليه. فلا نظر إلى ما استقرت عليه سيرة العقلاء - بما هم عقلاء على اتباعه من حيث كونه خبر الثقة .
ولذا كان الرواة يسألون عن وثاقة الراوي للفراغ عن لزوم اتباع روايته بعد فرض وثاقته، كما أن أخبار لا تنقض اليقين أيضاً كذلك ، كما سيأتى إن شاء الله تعالى .
فان تعليل الحكم بأمر تعبدي لا معنى له ، بل الظاهر تعليله بما هو المرتكز في أذهان العقلاء من التمسك باليقين لوثاقته .
وهذا المعنى مغائر لما أفاده بعض أجلة العصر : من أن الظاهر من النهي عن العمل بغير العلم ما هو غير علم عندهم .
فانه من باب التمسك بانطباق مفهوم العلم على الظن الخبري بالنظر العرفي.
وما ذكرنا من باب أن النظر في هذه النواهي إلى الظن بما هوظن، وإيكال الأمر إلى العقل الحاكم بأن الظن بما هوظن لا يغني من الحق شيئاً .
(۱) هو المحقق الحائري (قده» في دوره ج ۲ : ٥٨ في مبحث حجية الخبر كما عليه الآخوند ملا علي النهاوندي قده» في كتابه «تشريح الأصول : في حجية الخبر: ٢٦٥).