سبحانه : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ... ) (١) ، فيقول الإمام عليهالسلام : بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته (٢) . وفي مقطع آخر يربط أجزاء الخطبة بعضها بالبعض الآخر، فيأخذ بزمام العقل خطوة خطوة ليوصله إلى عين الإخلاص الزاكية بقوله عليهالسلام : وبالعقول يعتقد التصديق بالله ، وبالإقرار يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلا بعد معرفة، ولا معرفة إلا بالإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه (٣) .
ومن هذه اللمحة السريعة لبعض أجزاء خطبة من خطبه وكلمة من كلماته الي يكتشف القارئ أنه أمام بحر زاخر وعمق غائر ، يمكن لكل أحد أن يغترف منه بقدره .
نعم ، لقد أسس الإمام عليهالسلام القواعد فكرية تعصم من تمسك بها من الوقوع في مهاوي الضلال أو الإنحراف العقيدي وخاصة في القضايا التي هي مثار الجدل بين الفرق الإسلامية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر نرى أن الإمام عليهالسلام يعطينا ضابطة متقنة وبأسلوب ميسر لمسألة أخرى تعد من أمهات المسائل في الجانب العقيدي ، وذلك عندما ذكر عنده الجبر والتفويض ، فقال ال : «ألا أعطيكم في هذه أصلاً لا تختلفون فيه ، ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه ؟ قلنا : إن رأيت ذلك .
فقال عليهالسلام : إن الله لم يُطع بإكراه ، ولم يُعض بغلبة ، ولم يهمل العباد في ملكه ، وهو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم ، فإن ائتمر
__________________
(١) سورة فصلت ٥٣:٤١ .
(٢و٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ۱ : ۱٣۵ ـ ۱٣۷ /ضمن الخطبة ٥١ .