__________________
حدود اليمن ، وكانوا ستمائة رجل ينتهي إليهم نسب سيبويه النحوي أيضا ، كما في مجالس المؤمنين ، وكان فاضلا صالحا عاقلا حكيما وقورا إماما في علم النحو ومستنبطا للعروض مستخرجا لأبحاره الخمسة عشر .. إلى أن قال : وكان أفضل الناس في الأدب ، ثم نقل عن تقريب ابن حجر والخلاصة للعلاّمة عبارتهما ، ثم قال في أخبار النحاة البصريّين : وكان صالحا عاقلا حليما وقورا متقلّلا من الدنيا ، صبورا على العيش الخشن ، كما في بعض التواريخ. وعن سفيان بن عيينة أنّه قال : من أحبّ أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد. كان النضر بن شميل بن خرشة البصري الذي هو من كبار أصحاب الخليل يقول : ما رأيت أحدا أعلم بالسنّة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد ، ويقول : أكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه ، وهو في خصّ لا يشعر به ، وقال أبو عبيدة : ضاقت المعيشة على الخليل بالبصرة فخرج يريد خراسان ، فشيّعه من أهل البصرة ثلاثة آلاف رجل ما فيهم إلاّ محدّث ، أو نحوي ، أو لغويّ ، أو أخباري فلمّا صار بالمربد ، قال : يا أهل البصرة! يعزّ عليّ فراقكم واللّه لو وجدت كل يوم كليجة باقلا ما فارقتكم! قال : فلم يكن فيهم من يتكلّف ذلك ، فسار إلى خراسان وأفاد بها أموالا.
وقال في نور القبس : ٥٩ ـ ٦١ برقم ١٦ : وكان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار صاحب خراسان ، وكان من أكتب الناس ، وكان بارع الأدب ، وكان كاتبا للبرامكة ، فأراد الخليل أن يهدي له هديّة ، فعلم أنّ المال والأثاث لا يقعان عنده موقعا ، فصنّف له كتاب العين الذي لم يوضع مثله ، فوقع عنده موقعا جسيما ، وحفظ نصفه ، وكانت له بنت عمّ تحته عاقلة ، فابتاع جارية بارعة الجمال ، فبلغها ذلك فنالتها عليه غيرة ، فقالت لأغيظنّه ، وعمدت إلى الكتاب فأحرقته لعلمها بإعجابه به ، فطلب الليث الكتاب فلم يجده ، وأخبر بحاله فأسقط في يده ، وكان الخليل قد مات ، فطلب نسخة للكتاب فأعوزته ؛ لأنّ الخليل كان قد خصّه به ، فاستدرك النصف من حفظه وجمع على النصف الباقي أدباء زمانه فمثلوا على النصف الأوّل ولم يلحقوا ، فالنصف الأخير الذي في أيدي الناس ليس من تصنيف الخليل .. إلى أن قال : وقال : أخرج من منزلي فألقى رجلا من أربعة رجال رجلا أعلم منّي فهو يوم فائدتي ، أو رجلا مثلي فهو يوم مذاكرتي ، أو رجلا متعلّما فهو يوم ثوابي وأجري ، أو رجلا دوني في الحقيقة وهو يرى أنّه فوقي ـ وهو يحاول أن يتعلّم منّي وكأنّه يعلّمني ـ فذاك الذي لا أكلّمه ولا انظر إليه.