إلى عوامل الطبيعة في القضايا ، ويربط الآثار بمؤثراتها والعلل بمعلولاتها ، ويتحدث عن الخصائص الاجتماعية التي لها بموضوعه أدنى علاقة ، بل يصعب على مثل هذا الشاعر الفخم الذي يسلسل القصص المهمة والأحداث الرائعة ويربط أفكاره كالسلسلة أن يعتني برصف الألفاظ وزخرفة الكلمات وأن يأتي بالأبيات المنظومة قريبة الشبه بعضها من بعض ، لا سيما إذا علمنا أن الفردوسي نظم الشاهنامه في مدة ثلاثين سنة كما يأتي تفصيله ، فهل يمكنه أن يساوي بين ما نظمه في ساعته وما نظمه قبلها بعشرين سنة ، لذلك فلا غرابة إذا ما وجدنا الشاعر يعلو ويهبط في بعض المواضع ، ويسمو نظمه في موضع ويكون متوسطا أو عاديا في موضع آخر ، فإن اختلاف المواضيع والقضايا التي يطرقها بالنظم من جهة ، والحوادث الزمنية المحيطة به من جهة أخرى لها الأثر التام في هذا المقام ، وإن الكتاب الجامع الذي يحوي حوادث وقصص واسعة الأطراف لا بد وأن يكون بعض أشعاره خيرا من بعض لذلك فإننا لا نعتبر رأي براون لما تجلى لنا من عظمة الشاعر ودرجة نبوغه ، فالشعب أعرف بأدبه وشعره وخصائصه ومميزاته ، وقد حاول شعراء عديدون من الفرس تقليد الفردوسي ونظموا الملاحم فلم يبلغوا شاوه ولم يظفروا بطائل.
نظم الفردوسي الشاهنامه باسم السلطان محمود سبكتكين الغزنوي ولذلك سماها بالشاهنامه ، وفي ( سخن وسخنوران ) أنه نظمها بأمره في سنة ٣٨٩ ـ ٤٢١ وبقي في نظمها زيادة على ثلاثين سنة. لكن هذا القول بعيد عن الصواب كما يبدو لأنها تمت في سنة ٤٠٠ ه كما صرح به الفردوسي نفسه بقوله :
ز هجرت شده پنج
هشتاد بار |
|
كه گفتم من اين
نامه شاهوار |
ومعناه أنه بضرب خمسة في ثمانين من الهجرة أي ٤٠٠ وهذه السنة هي الثانية عشرة من سلطنة محمود ، أما كونه بقي مشغولا في نظمها ثلاثين سنة فهو ثابت بنص الفردوسي أيضا ، وعليه فلم يكن نظمه بأمر محمود ، بل كان نظم القسم الأول منه في زمن السامانيين ، والمظنون قويا أنه بدأ بنظمها مختصرة إلى سنة ٣٨٤ ه وفي