التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته ، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ ، حتّى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه ، وفيما قدّمناه من الرخصة في الأخذ بمذاهب الفقه جميعا ـ دون تمييز بين مذهب ومذهب ـ ما يجعل تحقيق هذا التنسيق ميسورا فلا يضلّ الباحث في تفصيلات الفقه الإسلامي ولا يختار منها إلاّ ما يتّسق مع المبادئ العامّة للتشريع المدني » (١).
يقول هذا متناسيا قوله : « فمن المبادئ العامّة التي أخذ بها النزعة الموضوعية التي نراها تتخلّل كثيرا من نصوصه. وهذه هي نزعة الفقه الإسلامي والقوانين الجرمانيّة ، آثرها التقنين الجديد على النزعة الذاتية التي هي طابع القوانين اللاتينية وجعل الفقه الإسلامي عمدته في الترجيح.
ومن هذه المبادي أيضا نظريّة التعسّف في استعمال الحق ».
« ومن الأحكام التي استحدثها التقنين الجديد مسائل تفصيلية اقتبسها من الفقه الإسلامي ، ومن هذه المسائل الأحكام الخاصّة بمجلس العقد ، وبإيجار الوقف ، وبالحكر ، وبإيجار الأراضي الزراعيّة ، وبهلاك الزرع في العين المؤجرة ، وبانقضاء الإيجار بموت المستأجر ، وفسخه للعذر ، وبوقوع الإبراء من الدّين بإرادة الدائن وحده » (٢).
هذا ، وللقانون الوضعي مصادر متعدّدة ـ كما يقول البدراوي ـ هي في الغالب : التشريع والعرف والشريعة الإسلامية ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (٣). وقد أفاض أساطين علماء القانون الوضعي في مدح الفقه الإسلامي والإشادة به ، ووصلوا إلى أنّ القوانين الصالحة التي سنّها علماء القانون هي من وحي فكر علماء الإسلام وجهابذته إلاّ ما خرج عن نطاق الإسلام بإباحة ما حرّمه الله أو تحريم ما أباحه الله.
__________________
(١) الوسيط ١ : ٤٩ ، ٥٠.
(٢) الوسيط ١ : ٤٧.
(٣) المدخل للعلوم القانونية : ٥٨.