وقد استقرّ تعريف الفقه ـ اصطلاحا كما يقول الشهيد ـ على « العلم بالأحكام الشرعية العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة لتحصيل السعادة الأخرويّة » (١).
تدوين الفقه
أرسل الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم أنبيائه ومكمّل شريعته للبشرية ، فبلّغ ما أرسله الله به ، ودلّ الناس على ما يسعدهم وينجيهم في معاشهم ومعادهم ، وبيّن لهم أحكام القرآن الكريم ، الكتاب الشامل الكامل الذي فيه تفصيل كلّ شيء.
وكان المسلمون في أيام حياته الشريفة لا يحتاجون إلى غيره صلىاللهعليهوآلهوسلم في معرفة أحكام دينهم ، وتبيين ما أبهم عليهم منها ، أو ما لم تصل إليه إفهامهم.
وقد بدأ تدوين الفقه في حياته ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقد كتب لعمرو بن حزم وغيره كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن ، وكان عند علي ـ عليهالسلام ـ صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير وألاّ يقتل مسلم بكافر.
ثمّ كثر التدوين بعد وفاته ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وقد صارت للمسلمين دولة كبيرة ، وجدّت لهم حاجات متشعّبة في البلدان المفتوحة ، فدوّنوا ما اثروه عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال سعد بن إبراهيم : أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فجمعت دفترا دفترا ، فبعث إلى كلّ أرض له عليها سلطان دفترا.
وقال اللهوردي ( المتوفّى سنة ١٨٦ ) : أول من دوّن العلم وكتبه ابن شهاب الزهري ( المتوفّى سنة ١٢٤ ).
وقد دوّن ابن جريج وابن عروبة وابن عيينة والثوري وغيرهم ، ودوّن سائر فقهاء الأمصار وأصحابهم (٢).
__________________
(١) الذكرى : ١.
(٢) موسوعة جمال ١ : ٤٧.