حسب تعبير النبي ، ومن الظلم والجناية على الإسلام والمسلمين تلقيب هذا الداعي بـ « شيخ الإسلام » أو « محيي الشريعة » أو « محيي السنة » أو غير ذلك من ألفاظ الثناء الوافر الّذي يوصف به هذا الرجل في هذا القرن ، بترغيب وترهيب من أصحاب الثراء والسلطة ، بعد أن كان معروفاً بغيرها في القرون الغابرة ، كما ستوافيك كلمات معاصريه ومن جاء بعدهم إلى هذه الأعصار.
إنّ طرح الخلافات الكلامية والفقهية ـ في العصر الّذي كانت القوارع تنصبّ فيه على رؤوس المسلمين من الشرق والغرب ، وتهدم الديار وتقتل النفوس البريئة ، وتشقّ بطون النساء والأطفال ، ويرفع الرجال على أعواد المشانق وتخضب الأراضي بدماء المسلمين ـ ما هو إلاّ من قبيل صب الزيت على النار ، وتعميق الجرح غير المندمل.
إنّ طرح المسائل على ضوء العقل إذا كان لغاية التعرّف على الحقائق أمر يستحسنه العقل ويقبله الشرع في جميع الحالات ولكن طرح هذه المسائل على وجه يتضمن تكفير الفرق الإسلامية واتهامهم بالشرك ، وتجويز قتلهم وإهدار دمائهم ، في الوقت الّذي غمس العدو يده في دمائهم إلى مرفقه ، وقتل منهم الملايين ، لا يصحّ تفسيره إلاّ بأحد وجهين : إمّا أن يكون رجلا غبياً لا يعرف الداء ولا الدواء ، أو رجلا مُعقّداً مغرماً بالشهرة وحبّ العظمة.
وما هذا الرجل إلاّ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ( ت ٦٦١ ـ م ٧٢٨ هـ ) فقد ولد في شر القرون وعاش في أجوائها الصعبة على المسلمين ، ومات في ظروف الهزيمة الّتي حلت بالمسلمين ، لعلل تعرّفت عليها ، فقد أثار في تلك الظروف العصيبة مسائل خلافية لا تزيد في الطين إلاّ بلّة ولا في الجرح إلاّ تعميقاً ، فهو بدل أن يعيد إلى الساحة الإسلامية الأخلاق والعمل بالإسلام ، ويعظ الملوك والساسة بالقيام بالوظائف وفتح معسكرات لإعداد الشباب وتدريبهم ، وإيجاد روح الكفاح ، تجده يرفع عقيرته بالمسائل الّتي لا تعود على المسلمين في تلك الظروف العصيبة بشيء سوى تعميق الخلاف وتعكير الصفو ، وتشديد النزاعات المذهبية والطائفية.
ورؤوس المسائل الّتي طرحها ابن تيمية وأصرّ عليها وخالف الرأي العام