وسوف يوافيك أنّ الرجل مجسّم وإن كان لا يتفوه به ، ولكن جُمَلَهُ وألفاظه وعباراته وما أصرّ عليه لا تنتج إلاّ ذلك.
وقس عليه سائر إنجازاته من جانب المعنى ، فقد منع شدّ الرحيل إلى زيارة النبي الأكرم ، مع أنّ قبور الأنبياء لم تزار تزل من عصر النبي وقبله وبعده ، وليست الغاية من زيارتهم إلاّ التوقير والتكريم وعقد الميثاق مع ما جاءوا به من أُسس التوحيد ، فكيف يكون ذلك ذريعة إلى الشرك؟
وحصيلة البحث هي أنّنا لم نجد في جميع إنجازاته شيئاً بديعاً يرفع به رأسه ويفتخر به على من سواه ، سوى ما في كلامه من الغلظة والأذى.
اللسان والقلم مرآتان للضمير
إنّ اللسان والقلم مرآتان لضمير صاحبهما يعربان عن نفسيته الخبيثة أو الطيبة ، الشريرة أو الخيّرة ، فاللسان البذيء يكشف عن نفسيته المستهترة المريضة ، كما أنّ اللسان ومثله القلم النزيهين يكشفان عن ملكة فاضلة. ومن رجع إلى كتب ابن تيمية يعرف أنّه ما كان يملك لسانه وقلمه عن التقوّل على المسلمين والتهجّم عليهم فجاءت كتاباته مليئة بالقول البذيء واساءة الأدب ، الّذي هو على طرف النقيض من الإسلام والعلم.
ابن تيمية في مرآة الرأي العام
ولقد كانت ثورة الرأي العام الإسلامي عليه من جانب الفقهاء والحكام والمتكلمين والمحدثين أدلّ دليل على انحرافه عن الخط المستقيم والطريق المهيع ، فليس من القضاء الصحيح تخطئة جمهور المسلمين وتصويب رجل واحد ، فمنذ نشر الرجل رأيه حول الصفات الخبرية عام ٦٩٨ هـ في « الرسالة الحموية » جاءت الاستنكارات تترى من جميع الطوائف ، وكلما تعرض الرجل للعقائد الإسلامية الّتي اطبقت عليها الأُمة في جميع القرون ، تعالى الاستنكار ، حتّى أُلقي عليه القبض ونفي من بلد إلى بلد ، وتعرض لاعتقال بعد اعتقال ، إلى أن منع من القرطاس والكتابة ، حتّى مات في السجن ممنوعاً من كل شيء.
ولو كان الرجل شيخ الإسلام ورائده وناصحه ، لما ضاق عليه المجال من