حتى غابت الشمس ، لا أنا أتيت الضيعة ، ولا رجعت إليه . . ! »
لوحة رائعة يرسمها لنا سلمان وهو يسرد قصة إسلامه ، حيث يجسد لنا فيها كيف كانت بداية هجرته نحو الإيمان . . الإيمان بالله وحده ، بعزم وتصميم وإرادة قوية لا يقف دونها حاجز ولا تتحكم فيها عاطفة ، وكيف إختار لنفسه موقفاً مميزاً جعله فيما بعد من جملة عظماء البشر الذين يزين بهم التاريخ الإنساني صفحاته ، فكان بذلك « سابق فارس » ورائدها وداعيها إلى الله .
لقد كانت نفسه التواقة إلى المعرفة تدفعه نحو تخطي الحواجز التي عاش بين قضبانها في ظل أبٍ جمد عقله على طقوس المجوسية دون أن تحرك آيات المبدع سبحانه في نفسه أي تحولٍ نحو الأفضل .
أراد سلمان تخطي تلك الحواجز لكي يرى الحقائق الكامنة ورائها ، وكان له ما أراد ، فها هو يعثر على دين خير من دينه حيث ساقته قدماه ـ عن قصد أو غير قصد ـ إلى الكنيسة ، فرأى فيها أناساً يصلون ، وربما يرتلون فصلاً من الإنجيل بصوت رخيم يأخذ بمجامع القلوب فيه رجع وصدىً لترانيم الراهب الحزين الذي يبكي المسيح ! ولا بد أن فقرات من الإنجيل شدته ـ في تلك اللحظات الغامرة ـ إلى الاستغراق والتأمل في عالم اللاهوت ضمن أجواء هي مزيج من الحزن ، والفرح ، والسأم ، واللذة ، طافت به ما وراء الغيب ، ثم انتهت لتوقظ في نفسه مكامن الألم الطويل الذي عاناه في ظل أبيه .
دارت في رأس سلمان زوبعة من التفكير . . انها فرصة قيضتها له يد الغيب ، وما عليه الآن إلا أن يختار . نعم ؛ لقد أعجبه هذا الدين ، ولكن ؛ هل ينتهي به المطاف إلى هنا فتكون هذه الكنيسة هي المحطة الأولى والأخيرة في حياته ؟ ومن يدري ، فلعل يد التشويه قد امتدت إليها أو إلى ذلك الكتاب الذي يتلى فيها فأخرجتهما عن مسارهما الصحيح ، وعندها فما الفائدة إذن ؟ أيترك دين آبائه وأجداده ليعتنق ديناً ربما كان مثله في المحتوى أو أميز منه بقليل ؟