لم يطل تردده في الأمر ، وحانت منه التفاتة ذكية تنم عن عمق روحي وأصالةٍ في التفكير حيث بدا له أن يسأل عن تواجد أصل هذا الدين ، وبذلك يحفظ خطوط الرجعة على نفسه ، فاندفع يسأل من حوله من النصارى قائلاً لهم :
« وأين أصل هذا الدين . . ؟ »
قالوا : بالشام .
أما خشفوذان فقد طال عليه غياب ولده حتى صار نهباً للقلق عليه مما حدا به أن يرسل جماعةً في طلبه ، وبينما هو يتلدد في داره مفكراً حائراً في أمره وإذا بسلمان عائد بعد الغروب بقليل ، عاد إلى بيته ليجد أباه بتلك الحالة ، وهنا بادره أبوه بنبرةٍ فيها شيء من الغضب ، قائلاً له :
« لقد بعثت إليك رسلاً » أين كنت . ؟
ولم يجد سلمان سبيلاً لكتمان ما رأى وسمع ، فالتفت إلى أبيه قائلاً :
« قد مررت بقوم يصلون في كنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم ، وعلمت أن دينهم خير من ديننا . . »
قال هذا بكل جراءةٍ وثقة ، غير أن خشفوذان لم يصدق ما سمعه ، وخالطته حيرة ودهشة ، لكنه تمالك أعصابه وخاطب ولده باسلوب عاطفي هادىء قائلاً له :
« يا بني ؛ دينك ودين آبائك خير من دينهم . » طمعاً فيه بأن يرجع عن ذلك .
لكن سلمان بادره بكل إصرار قائلاً : « كلا ، والله . . »
وحين لم يجد خشفوذان وسيلةً في اقناع ولده عمد إلى استخدام القسوة لتأديبه ، فوضع القيود في رجليه ، وتركه في البيت رهين محبسين ، فعل معه ذلك خوفاً من أن يهرب عنه ، وعقاباً له كي لا يعود لمثلها .
وظل
سلمان رهين قيده وبيته مدةً من الزمن حتى كادت الدنيا أن تسود في