عينيه لولا حلم الشام الذي ظل يدغدغ فؤاده ويزرع في نفسه الأمل الأخضر الذي يبشره بأزوف الموعد وساعة الخلاص ، فعمد إلى بعض من يثق بهم وأرسله إلى النصارى الذين تعرف إليهم في الكنيسة يعلمهم عن لسانه : بأنه قد أعجبه دينهم ويطلب منهم أن يعلموه بتحرك أول قافلةٍ نحو الشام حتى يكون فيها . فأخبروه .
قال سلمان : « فألقيت الحديد من رجلي ، وخرجت معهم . » وبدأت الرحلة الطويلة نحو الإيمان ، والهجرة إلى الله .
بدأ سلمان هجرته هذه مصوباً كل تفكيره نحو الشام ، ولكن ما أن استوى على راحلته حتى بدأت الشكوك تساوره ، وأخذ القلق يسيطر عليه ، فقد خاف أن ينكشف أمره لدى أبيه فيرسل في طلبه جماعة من علوج أصفهان يرجعونه إليه بالقوة فيعيده إلى محبسيه ، وربما لا يكتفي بذلك بل يقيم عليه الرقباء والعيون يحصون عليه أنفاسه وعندها سيخسر سلمان كل شيء ، وسيكون الفشل نصيب أولى تجاربه في الحياة .
ظلت هذه الوساوس تساوره في بداية الرحلة ، حتى إذا قطع شوطاً من الطريق أمِنَ معه الطلب ، هدأت نفسه وارتاح ضميره وعاد الفرح إلى قلبه ، فمال بتفكيره ثانيةً نحو الشام ، ولكن سرعان ما هومت فوق صدره سحابة من الحزن لفراق أبويه الكهلين الذين دأبا على اسعاده وحرصا على أن يبقى بجانبهما يؤنس وحشتهما كلما تقدمت بهما السن ، لقد تركهما أسيرين للهم والحزن عليه ، وكاد الأسى أن يعصف بقلبه لولا أن تذكر عناد أبيه ووقوفه سداً في طريق سعادته ، فتابع سيره وصمم أن لا يلتفت .
أما
خشفوذان وزوجه فقد باتا أياماً وليالي لا يغمض لهما جفن ولا ترقأ لهما دمعة لغياب سلمان المدلل ففراقه أقض مضجعهما ، فهما لا يعلمان أين أمسى وأين أصبح ، ولم يتركا استحفاء السؤال عنه في كل مكان ، لقد انقطعت أخباره . . أين هو يا ترى ؟ وربما تناهى إلى سمع خشفوذان أن ابنه رحل إلى الشام فزاد