كان غبش الفجر رمادياً عندما غادر الامام منزله .. لقد أزفت ساعة الرحيل .. حيث بلغت الاستعدادات ذروتها، وانتظمت قافلة طويلة تحمل دواوين الدولة وصناديق الخزانة العامّة ، وكانت بعض العيون تبرق كعيون الافاعي وتشيع الرهبة حتى لا يبقى من شك في أن لأصحابها مأموريات ومهمّات سرّية ..
جواسيس يرتدون بزّات مختلفة بعضهم يراقب الامام من بعيد وآخرون يراقبون الفضل حتى المأمون كانت هناك عيون خفيّة تراقب عن كثب وترصد حركاته واجتماعاته ..
هبّت نسائم الفجر النديّة ، وقد استوى الامام فوق راحلته متجهاً ببصره الى الأفق البعيد ... البعيد ... والكلمات المقدسة تتفتح على شفتيه كبراعيم ربيعية :
ـ يا من لا شبيه له .. ولا مثال.
أنت الله لا إله الا أنت ..
ولا خالق الا أنت ..
تفني المخلوقين .. وتبقى ..
أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك .. ١٦٠
وانسابت الراحلة على مهل :
ـ استسلمت يا مولاي لك .. وأسلمت نفسي إليك.