ويذكر في الفلك المشحون أن العلوم التي قرأها ثمانية وثلاثون علما ، وفي ضمنها علوم أخر تزيد مع هذه على اثنين وسبعين علما.
فهذه العلوم التي قرأها تؤلّف الثقافة الإسلاميّة التي كانت سائدة في عصره ، دون النظر إلى عمق هذه الثقافة أو ضعفها.
ونلاحظ أن الكتب التي قرأها بعضها كان من نتاج عصره والعلماء المعاصرين له ، وبعضها الآخر كان ممّا ألّف في العصور التي سبقته. وكثير من هذه الكتب كان ما يزال حتى العصر الحديث عمدة في هذه العلوم لدى الفقهاء والطلبة من أهل الدين.
ونرى من هذا أنّ ابن طولون ألمّ بألوان الثقافة المعروفة في عصره ، وشارك بها. وأتيح له عن طريق ذلك أن يقرأ على القرّاء والمحدّثين والأصوليّين والفقهاء والنحاة واللغويّين والمناطقة والمؤرّخين والمتصوّفين ، والأطباء ، والمنجمين ، وعلماء الفلك والهيئة والطبيعي والموقعين وغيرهم. وأتيح له أيضا أن يتجاوز علماء دمشق ـ الذين أجازوه إجازات كثيرة شهدوا بها بعلمه وإتقانه ودرايته ـ إلى علماء مصر لينال الإجازة منهم عن بعد.
هذا الاهتمام بالعلم ، والأخذ به على اختلاف جوانبه وألوانه ، وما نتج عنه من ثقافة واسعة أتاح لابن طولون ثلاثة أمور :
الأول : أن تفتح أمامه أبواب الوظائف العلميّة على اختلاف أنواعها.
الثاني : أن يصبح ، بعد أن تقدّمت به السنّ ، شيخ عصره وأن يقرأ عليه كبار الشيوخ.