بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسرا ، فقالوا : هلمّ يا ابن رسول الله ، فثنّى وركه فأكل معهم ، ثمّ تلا إنّ الله ( لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) (١) ثمّ قال : قد أجبتكم فأجيبوني ، فقاموا معه حتّى أتوا منزله ، فقال للجارية : أخرجي ما كنت تدّخرين (٢).
قلت : وتلك الكسر وإن كانت من الناس عليهم صدقة والصدقة عليهم عليهمالسلام محرّمة ، إلاّ أنّها كانت منهم بعد تملّكهم لها إليه عليهالسلام ضيافة. فلمّا تصدّقوا على بريرة بلحم أتت به إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت لها عائشة : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يأكل الصدقة وهذا صدقة ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة كانت صدقة ممّن أعطاها ، وأمّا منها إليّ فهديّة (٣).
وروى الإرشاد وغيره عن محمّد بن جعفر وغيره ، قالوا : وقف على عليّ بن الحسين عليهالسلام رجل من أهل بيته ـ قال الراوي هو الحسن بن الحسن ـ فأسمعه وشتمه فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه لقد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا احبّ أن تبلغوا معي إليه تسمعوا منّي ردّي عليه ، قالوا له : تفعل! ولقد كنّا نحبّ أن تقول له وتقول (٤) فأخذ نعليه ومشى وهو يقول ( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (٥) قالوا : فعلمنا أنّه لا يقول له شيئا ، فخرج حتّى أتى منزل الرجل فصرخ به ، فقال : قولوا له : هذا عليّ بن الحسين. فخرج متوثّبا للشرّ ـ وهو لا يشكّ أنّه عليهالسلام إنّما جاء مكافئا له على بعض ما كان منه ـ فقال عليهالسلام له : يا أخي كنت وقفت عليّ آنفا وقلت وقلت ، فإن كنت قلت ما فيّ فأستغفر الله منه ، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك ، فقبّل الرجل بين عينيه وقال : بلى قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحقّ به (٦).
وفي الإرشاد : روى الواقدي عن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ قال : كان هشام بن إسماعيل يسيء جوارنا ولقي منه عليّ بن الحسين عليهالسلام أذى شديدا ،
__________________
(١) كذا في تفسير العيّاشي أيضا ، وفي المصحف الشريف ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) سورة النحل : ٢٣.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٢٥٧.
(٣) الكافي ٥ : ٤٨٦.
(٤) في المصدر : قالوا له : نفعل ، ولقد كنّا نحبّ أن تقول له ونقول.
(٥) الإرشاد : ٢٥٧.
(٦) الإرشاد : ٢٥٨.